ماذا بعد التوتر الإيراني الأذري؟

قضايا عربية ودولية 2021/10/04
...

محمد صالح صدقيان 
جاءت التطورات المتسارعة بين إيران واذربيجان لتجعل الأنظار تتجه للحدود المشتركة بين البلدين، ومدی احتمالية تصاعد حدة الأزمة بينهما. 
ولا نعتقد بأن ما يحدث من توتر علی الحدود الإيرانية الأذرية بعيد عن ملفات إيران الساخنة، سواء ما يرتبط بالمباحثات النووية، أو تلك التي ترتبط بالملفات الإقليمية المتعددة؛ وان التصعيد الذي ظهر في الملف مع أذربيجان ربما يكون احدی حلقات التأزيم التي تسعی لها دوائر متعددة في المنطقة وخارجها، من أجل الضغط علی المواقف الايرانية التي باتت تزعج هذه الدوائر، لا سيما في ظل حكومة ايرانية جديدة تريد أن تعيد صياغة علاقات ايران الخارجية وفق قواعد تختلف عن تلك التي كانت في عهد الرئيس الايراني حسن روحاني. 
لكن ما أقلق ايران في حدودها الشمالية هو دخول الكيان الاسرائيلي علی خط الحدود الأذرية الارمينية ذات الاهمية ليست لهاتين الدولتين فحسب، وإنما للجانب الايراني، إذ تشكل معبرا مهما للقارة الاوروبية. 
علاقة الكيان بأذربيجان تعود الی تسعينيات القرن الماضي، وتحديدا لتاريخ اعلان استقلال جمهورية اذربيجان في العام 1991، إذ وجد الكيان هذه الجمهورية الفتية تملك احتياطيات كبيرة من النفط، وتحتل موقعا جيوسياسيا مهما علی بحر قزوين، وبالقرب من الحدود الايرانية، اضافة الی اتصالها بتركيا وأوروبا عبر الحدود البرية، وقد نبهت ايران من مغبة السماح لهذا الكيان بالتمدد أو اعطائه امتيازات علی حساب العلاقة التاريخية التي تربط باكو بطهران، ناهيك عن أن هذه الجمهورية كانت في يوم ما تابعة لإيران، وأنها تتناصف اليوم الشعب الأذري الذي يتوزع بين جانبي الحدود.
المعلومات التي تمتلكها السلطات الايرانية تتحدث عن سماح الحكومة الأذرية لعناصر تابعة لجهاز المخابرات الاسرائيلي "الموساد" بنصب أجهزة تنصت امنية ومخابراتية بالقرب من الحدود الايرانية، إضافة الی قيام هذه العناصر بعمل حثيث لدعم حركة قومية أذرية تنادي بانفصال اقليم اذربيجان الايراني وانضمامه لجمهورية اذربيجان، وهو ما يتناغم مع رغبة تركية أردوغانية لتأسيس مجموعة الدول الناطقة بالتركية، وهو "الحلم العثماني" الذي يسعی الرئيس رجب طيب اردوغان لاعادة صياغته من جديد. 
المشكلة الثانية التي تقلق ايران هي التغيرات الجيوسياسية التي تسعی اذربيجان للقيام بها مع أرمينيا، بمساعدة تركية - اسرائيلية لسيطرة اذربيجان علی اقليم "سونيك"، وهو الشريط الحدودي المسمی بالطريق 41 والذي يمتد 21  كليومترا بين ايران وارمينيا، مقابل منح ارمينيا مناطق في اقليم قرباغ.
قائد القوة البرية في الحرس الثوري الايراني محمد باكبور، الذي قامت قواته بمناورات قرب الحدود المشتركة مع اذربيجان، قال: إن "بلاده لن تقبل بأي تغيير في حدود الدول المجاورة لها"، وإنها "ترفض أي تغيير جيوسياسي في المنطقة"، لافتا الی ان اي تحركات خاطئة في الحدود المجاورة لايران ستؤدي الی تشكيل ازمات جديدة في المنطقة، من دون ان ينسی التذكير بأهداف المناورات التي جرت في الجانب الايراني، إذ "تعرف دول الجوار افضل من غيرها اسباب قيامنا بمناورات".
وخلال اقل من اسبوعين اجرت ايران مناورات ثانية، قام بها الجيش الايراني في ذات المنطقة، تحت اسم "فتح خيبر"، للتأكيد علی اهمية التطورات التي تجري علی الحدود المشتركة، ناهيك عن رمزية اسم المناورات لدی الجانبين الايراني والاسرائيلي.
يجب الاشارة الی أن انضمام ايران لعضوية شنغهاي ليس بعيدا عن الغضب الاسرائيلي والتركي، لكن ما يجب أن تستوعبه اذربيجان هو قدرتها علی ضبط ايقاعات الفعل الاجنبي، بعدما وقفت ايران لصالح بسط سيادتها علی اقليم قرباغ، وأن اي توتر علی الحدود المشتركة مع ايران لا يخدمها ولا يخدم المنطقة؛ وأن دخول باكو علی خط المطامع والنوايا الاسرائيلية لن يحقق اهداف ومصالح اذربيجان المباشرة وغير المباشرة.