الواقع التعليميّ الجامعي.. أسئلة وفرضيات

منصة 2021/10/05
...

أ.د. مها خيربك ناصر
تتسابق المؤسسات الجامعيَّة إلى وضع خططٍ تعليميَّة تضمن اعترافًا دوليًّا بالشهادات التي تمنحها الجامعات الحكوميّة والخاصّة، ولذلك تُشكّل لجانٌ تدرسُ الخطط وتحدّد المسارات العلميّة، من دون أنْ تراعى الطاقات الإبداعيّة الذاتيّة للمعلّمين وللمتعلّمين، ومن دون التركيز على أهميّة القيم المعرفيّة وتواصلها وتكاملها وتقاطعها وتداخلها وتأثيراتها، فتكون شبكات الانترنت المرجع الأساس لأيّ عمليّة تحديث للمناهج الجامعيّة.
مما لا شكّ فيه انّ الإفادة من فكر الآخر أمر ضروريّ، ولكنّ ما يُستنسخ من مناهج يأتي مشوهًا لأسباب كثيرة أهمها الترجمة الحرفيّة، والعجز عن ربط المفاهيم والمصطلحات الجديدة بجوهر العمليّة التعليميّة، وبحاجات السوق الاقتصاديّة وغير الاقتصاديّة، وكذلك افتقار هذه المناهج المشوّهة إلى فاعليّة التحريض على الشك والسؤال وابتكار الفرضيات والبحث عن الحلول.
تؤكّد عملية التواصل مع الطلاّب الجامعيين أنّ العمليّات التعليميّة/ التربويّة ما زالت مغلقة على التلقين والاستظهار والإعادة، وأنّ دور الجامعات مقتصر على ضخ شهادات جامعيّة تغرق أسواق العمل، وتخلق أزمات متنوّعة، ربما كان أبرزها أزمة بطالة دفعت بالخريجين إلى تبعية اقتصاديّة، تقنّع تبعية ثقافيّة، واجتماعيّة، وحضاريّة، وهذا ما يعكس التناقض بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون.
لقد ولّد استنساخ المناهج مشكلات لا حصر لها، وربّما كان من أكثرها بروزًا تراجع مستوى التأهيل الثقافيّ، وتدنّي فاعلية القيم الاجتماعيّة والوطنيّة القوميّة، والعجز عن المشاركة في ابتكار مشروع ثقافيّ شموليّ كونيّ مؤسس على أصول تساعد على استشراف المستقبل، ويُحدِث، في الوقت عينه، نقلة نوعيَّة على صعيد التقدم التكنولوجيّ الذي يعمل على تقليص المسافات بين الجزر المعرفية، وذلك بفتح مسارات ثقافية متنوّعة تحرّر من التنميط، وتحسّن طرق التأهيل القادرة على توسيع آفاق العلم وشحن جوانبه بثقافة شمولية تضمن استقامة العملية التربوية، وتحميها من التضليل، وتكسبها طاقة معرفيّة، قوامها منطق علميّ يحدّد الفروقات بين أبعاد الغايات ومراتب القيم.
بهذا المعطى يجب أنْ تتحوّل المناهج التربوية في الجامعات العربية عن النقل والاستنساخ إلى الابتكار والتجديد، وعن ثقافة الذاكرة إلى ثقافة وجود، فيتحرّر المتلقي من جمودية الإعادة والتكرار، ومن الارتهان النفسيّ والفكريّ، ليكون عنصرًا مشاركًا وفاعلاً في أيّ عملية تربويّة تثقيفيّة حضاريّة كونيّة، غايتها الإصلاح والتطوير والتحسين؛ لأنّ للجامعات دورًا رئيسًا في تشجيع الباحثين على الشكّ وطرح الأسئلة وابتكار الفرضيات والحلول، فيصير المتعلّم فاعلاً وليس منفعلاً في هذا الفضاء المعرفيّ الشموليّ الكونيّ.