ويسألونك عن الفولكلور

فلكلور 2021/10/14
...

باسم عبد الحميد حمودي
 
مضى على الناس أحيان من الدهر (وليس حيناً واحداً) يسألون –في أوقات فراغهم وانسهم – عن الفولكلور وما جدوى البحث فيه, بل ما هو أصلاً؟ ولِمَ هذا الاهتمام بالمثل الشعبي واللوحة الفولكلوريَّة وكتب الحكايات الشعبيَّة والدراسات المتعلقة بالفولكلور.
بل إنَّ بعضهم ليفاجأ بوجود مدارس واتجاهات فكريَّة تدرس الفولكلور الذي ترجم ببغداد الى (التراث الشعبي) وترجم حرفياً الى (حكمة الشعب), ويظن أنَّ هذا الذي يسمونه (فولكلور) يأخذ من جرف (الأنثروبولوجيا), وقليلاً أو كثيراً من حصة علم (الأثنولوجيا) وما دروا أنَّ هذين العلمين قد تكونا اعتماداً على وجود الفولكلور الذي هو الكيان الكلي لكل العادات والتقاليد والأفكار الشعبيَّة حول الموت والحياة والولادة والرقص الشعبي والأزياء والنحت وعقائد الماورائيات, وكل ما يتصل بالإنسان من حياة وبناء وزهر ووتر.
أترانا بهذا نكشف سراً، بل ندعو للدرس والتأمل والوصول الى قناعات جميلة وشجيَّة ونحن ندرس معالم الفولكلور وندخل إليه من زاوية لننتقل الى أخرى؟
ولنأخذ مثلاً دراسة الألوان التي في الطبيعة ودلالاتها النفسيَّة: أعلمت مثلاً أنَّ للون تأثيراً ودلالة تختلفان من إنسان الى آخر, وأنَّ الحكيم ابن سينا قد مارس طب اللون ووضع خلاصة فيه؟.
ولنأخذ مسألة التسمية عند الشعوب الأولى التي كانت تسكن مناطق السهوب والغابات الشجريَّة في افريقيا وسنجد أنَّ هذه الشعوب مثل الدوبو والكيوكتل لا تعترف بالنباتات التي لم تسمها هي, ولذلك فلا نبات عندها بلا تسمية, والاسم هو الهويَّة وهو إثبات الوجود.
وإذا دخلت عالم الشامان وعقائد الشامانيَّة لوجدت عالماً سحرياً يتشكل من الخرافة التي تمتزج بالواقع المعاش في بلاد الاسكيمو والكوريتين ومناطق شاسعة من الصين حيث (آلهة الخير) التي تتناطح مع آلهة الشر في معتقدهم.
كل ذلك وغيره يدخل في التفاصيل الـ54 التي تحويها فقرات وتقسيمات الفولكلور الذي يعني الإنسان بكل عقائده وخياله وصناعاته وتصوراته قديمها وحديثها.. والحديث في التفاصيل وفي كل أرض ومكان ولدى كل شعب وتجمع سكاني يطول, ولكنه أبداً يعدُّ حديثاً ممتعاً إذا أثقل بالتفاصيل.
ومن تفاصيل علم الفولكلور مدارسه القديمة والحديثة ومناهجه المتصلة به ومنها المنهج التاريخي الذي يعتمد التطور الإنساني عبر التاريخ على مستوى العادة والتقليد والمهارات الفرديَّة والجماعية عبر التطور التاريخي منذ عصر جمع القوت الى ظهور الصناعة ثم الى العصر السبراني الحديث, وكذلك المنهج الجغرافي المعتمد على دراسة المناطق وشعوبها وما يتصل بهم ثم المنهج النفسي المعتمد على الإنسان وتمظهراته عبر الدين والتقليد وغيرها, ثم المنهج البنائي الذي قاده شتراوس والمنهج المورفولوجي الذي اعتمده بروب, ثم المنهج الوظيفي الذي قاده سبنسر ودوركايم..، وصولاً الى مناهج الفولكلور الحديثة التي قدم جزءاً منها العالم ريتشارد دروسون، فضلاً عن نظريات أخرى موائمة للغة العصر الحديث.
إذاً, للفولكلور تفاصيل ونظريات ومدارس وآراء انتشرت في عالم اليوم, كتباً ودراسات ومراكز بحث ما زلنا عندها في البداية, ونحن أعرق الشعوب طراً.
الفولكلور إذاً الحياة بأسرها, ماضياً وحاضراً معاشاً.