مقتل إيميت تل.. جريمة قادت لتغيير الحقوق المدنية

بانوراما 2019/03/04
...

   أودرا دي أس بورش 
و فيدا شاستري وتيم شافي
ترجمة: ليندا أدور
دخل الى متجر، فكان سببا لتغيير الحقوق المدنية، وأصبح ذلك المتجر المتهاوي رمزا للنضال لمواجهة العنف العنصري في البلاد. في الطريق الى ماني، وعلى الجانب الآخر من عربات السكك الحديد، يقف هناك متجر بقالة قديم وقد علاه العفن.
في شهر آب من العام 1955، دخل صبي أسود يبلغ من العمر 14 عاما، قادما من شيكاغو لزيارة أقرباء، المتجر لابتياع حلوى. بعد اتهامه بالصفير من قبل كارولين المرأة البيضاء التي تدير المحل، تم خطفه بعدها وتعرض للتعذيب ومن ثم إعدامه ورميه في نهر تالاشاتشي. 
شاهد على الكراهية
تعد جريمة قتل إيميت تل، واحدة من أبشع جرائم الكراهية التي حدثت في القرن العشرين، وهي حقبة وحشية في التاريخ الاميركي التي أسهمت بإذكاء حركة الحقوق المدنية. لا يزال الموضع الذي شهد بداية الأمر برمته، محل بقالة وملحمة براينت، بالكاد، شاخصا. واليوم، يتداعى المتجر، بدون سقف وقد غطته أغصان الأشجار، وفي غير مناسبة، بذل محافظون وسياسيون ورجال أعمال-حتى ولاية ميسيسيبي- جهودا لانقاذ جدرانه الاربعة المتبقية، لكن لم يتم التوصل لإجماع في الرأي. 
ينظر بعض سكان المنطقة الى المتجر على أنه وصمة عار على المجتمع، يتوجب ازالتها ونسيانها، فيما يذهب آخرون للقول بأنه يتوجب أعادة بنائه إجلالا لذكرى إيميت، وكشاهد على الكراهية التي أودت بحياته. ومع الجدل المستمر على مدى عقود، يتواصل معها تدهور وانهيار المتجر، حتى وسط اعتبارات ثقافية وعرقية عبر البلاد حول مصير النصب الكونفديرالية. في ماني وغيرها من المجتمعات بعموم البلاد، يبرز على المحك السؤال : كيف يختار الاميركيون الاعتراف بماضي بلادهم؟  يقول القس ويلر باركر (79 عاما) من ضواحي شيكاغو، وإبن عم تل الذي كان برفقته الى متجر براينت في ذلك اليوم: "إنه جزء من تلك القصة الأكبر، وهو جزء من تأريخ يمكن ان نتعلم منه، والمتجر يجب أن يكون احد الأمكنة التي نتشارك بها قصة إيميت".
 
تبرئة براينت وميلام
في منطقة دلتا الميسيسيبي وحولها، لا تزال ذكرى جريمة قتل إيميت تخيم على المكان، ولا يزال محلج القطن الذي يحتوي على المروحة التي تزن أكثر من 34 كيلوغراما، والتي ربطت الى رقبة تل بأسلاك شائكة، وقد تحول اليوم الى متحف صغير، فضلا عن جولات غير رسمية الى الجسر حيث يرجح ان جثته رميت الى النهر هناك، لا تزال الحظيرة التي شهدت عملية الضرب والتعذيب الوحشي كما هي، لكن مالكها يسمح بزيارات عرضية، وربما تكون قصة تل موضوعا للأفلام والمؤلفات القادمة، كمرحلة أكبر وأشمل.
لا ينظر الجميع الى النصب التذكارية بذات الاسلوب، فالكثير منها والتي وضعت تخليدا لذكرى إيميت، تعرض للتخريب واطلاق النار والاستبدال. وفي محاولة لتقوية روح المصالحة العنصرية في المنطقة، تأسست هيئة تل التذكارية العام 2006، وقد نجحت بإعادة بناء المحكمة في سومنر، والتي شهدت تبرئة قاتلي تل بخمسينيات القرن الماضي، وهما روي براينت، مالك المتجر، وأخيه غير الشقيق جي دبليو ميلام. 
في ثمانينيات القرن الماضي، أشترى راي تريبل، وهو الشخص الذي جلس في هيئة محلفين جميعهم من البيض والذين برأوا براينت وميلام، المبنى الذي كان تشغله بقالة براينت. توفي تريبل العام 1998، لكن المتجر بقي من أملاك العائلة منذ ذلك الحين وقد رفض آل تريبل ترميمه او بيعه رغم استمرار تدهوره.
 
ويليامز الاسود وسبيل البيضاء
نشأ كل من ويلي ويليامز ودونا سبيل بمنطقة الدلتا، على مبعدة أكثر من 12 كيلومترا عن بعضهما البعض، وتفصلهما عشر سنوات من العمر. علِم ويليامز، وهو أسود، بأمر إيميت تل عندما كان طفلا، لكن سبيل، وهي بيضاء، سمعت عند البلوغ. يقول ويليامز أن والديه أخبراه بقصة تل "كطريقة لتوخي الحذر"، بينما تقول سبيل أن موت إيميت المريع لم تكن بالقصة التي "سيخبر والداي أطفالهم عنها". التقى الاثنان، لأول مرة في حدث كنسي، واليوم، الاثنان هما عضوان بهيئة إيميت تل التذكارية، وليصبحا صديقين مذ ذاك. تقول سبيل، معلمة اللغة الانكليزية منذ زمن ليس بالقصير: "سمعت الكثير، وما سمعت كان يحمل في طياته الكثير من الألم" مضيفة، "ولكي نمضي قدما، علينا رواية القصة، والاستمرار في روايتها".
في العام 2007، قدمت الهيئة اعتذارا رسميا لعائلة تل في المحكمة حيث بُرأ قتلته. يقول باتريك ويمز، الشريك المؤسس لمركز إيميت تل الاستدلالي، وهو متحف يقع على الجانب المقابل للمحكمة أنشأته المجموعة، حيث تم وضع 11 معلما تأريخيا بمواقع تتعلق بجريمة مقتل إيميت. أحد هذه المعالم وهي علامة باللون الارجواني بجانب ضفة النهر التي استخرجت منه جثة تل، والتي تقع بجانب طريق ترابي وحيد مجاور صفوف وصفوف من حقول القطن بالقرب من غليندورا بولاية ميسيسيبي، وقد اضطروا الى استبدالها ولاكثر من مرة جراء تعرضها لاطلاقات نارية أو التخريب، يذكر أن منذ عامين، تم استهداف الكثير من علامات الحقوق المدنية، حيث قام المخربون بتكسير وتهشيم العبارات والنص المكتوب لبقالة براينت، ولجأوا لحفر حروف (KKK) (تعني كو كلوكس كلان وهي منظمات تؤمن بالتفوق الأبيض ومعاداة السامية والعنصرية ومعاداة الكاثوليكية وتعمد لاستخدام العنف والارهاب والممارسات التعذيبية كالحرق والصلب لاضهاد من يكرهونه كالامركيين الافارقة-ويكيبيديا-المترجمة).
 
العدالة المستدامة
بعد تقاعدها كمديرة لمعهد ويليام وينتر للمصالحة العنصرية بجامعة ميسيسيبي، حيث عملت سوزان غليسون، مع نصف عدد مدن الميسيسيبي على التعافي من التمييز العنصري، من ضمنها مدينة سومنر وبالتعاون مع لجنة ايميت تل التذكارية، أسست غليسون مؤسسة العدالة المستدامة، وهي مؤسسة استشارية معنية بتسهيل الحوار العنصري بالجامعات وأقسام الشرطة والشركات والبلديات. تقول غليسون: "عندما ننجح في ذلك، سنتمكن من تجاوز المنظور السابق الذي يقول "لم أفعلها ولا أعرف شخصا قام بفعلها" وسنجد طرقا لتكريم الضحايا".
بمنطقة تقع الى الشمال الغربي من فلوريدا، تم محو مدينة للسود من الخريطة بالكامل، بسبب العنف العنصري بمذبحة روزوود التي حدثت العام 1923. نجا من تلك المجزرة منزل وحيد- لجأ سكانه من السود الى الاختباء هربا من الموت- والذي تعود ملكيته اليوم الى أرملة يابانية تدعى فوجيكو سكوغينز تبلغ من العمر 85 عاما، حيث يرغب كل من ابنتها وصهرها الذين يعملان بقطاع العقارات، ببيع المنزل. ترغب مجموعة تراثية بتحويل المنزل الى متحف وحديقة روزوود، لكنها لم تحصل على التمويل الكافي. وقد وجه جيران المنزل تحذيرا لصهر الأرملة سكوغينز من بيع المنزل الى مشترين سود، والتي على ما يبدو، محاولة لمنع احياء المجزرة التي حدثت.
وفقا لاحدى صحف ميسيسيبي، يبلغ سعر منزل بقالة وملحمة براينت 4 ملايين دولار أميركي، لكن من الصعب الاطلاع على المزيد من التفاصيل، حيث ترفض العائلة وبشكل قاطع التحدث عنه علانية، وقد أُرسلت الكثير من الرسائل وأخرى عبر البريد الالكتروني الى عائلة تريبيل عن هذا الموضوع لكنها  لم تلق اجابة. 
وفي العام 2011، تلقت عائلة تريبيل أكثر من 200 ألف دولار أميركي كمنحة حقوق مدنية لغرض ترميم محطة وقود مجاورة للمتجر. وقد وصف المهندس المعماري للمشروع عملية إعادة بناء واصلاح المتجر على انها ستكون المرحلة المقبلة، فمنذ العام 2015، يجري السيد ويمز مفاوضات مع افراد العائلة لكن دون جدوى.
 
إيميت والمتجر
اليوم، يعيش أقل من 100 شخص ببلدة ماني، حيث يملك أولاد راي تريبيل معظم الأراضي فيها ومن بينها متجر بقالة وملحمة براينت القديم. في أوائل العام 2004، تواصل رجال أعمال محليون و ومدنيون مع عائلة تريبيل آملين ان يتم تحويل المتجر الى متحف يخصص لإيميت تل أو الحقوق المدنية أو كليهما معا.
وفي العام نفسه، تعرض سقف المتجر الى الانهيار، ثم أتى اعصار كاترينا في العام 2005، على ماتبقى، في ذلك الوقت فقط، أبدت عائلة تريبيل موافقتها على أعادة بناء المتجر. يقول هارولد راي الأبن، "نريد أن نعيد بنائه، فهو جزء من تأريخنا وهو على وشك التداعي". لكن لم يحصل أي شيء، وكل يوم يمضي، ينزلق المتجر نحو الاندثار أكثر. يقول الكاتب والاستاذ ديف تيل، الذي يعمل على إصدار كتاب عن قضية إيميت تل، "هذا الحطام يمكن لعاصفة أن تدمره، لكنه بالرغم من ذلك، لا يزال واقفا"، مضيفا "يشبه المتجر حالة إيميت تيل كثيرا، فكلاهما يعيش حالة من الاهمال منذ زمن بعيد، لكنهما يرفضان الرحيل بعيدا".              
 
*صحيفة نيويورك تايمز الأميركية