فاعلية الإعلانات الرقميَّة في تسويق المنتجات العراقيَّة

علوم وتكنلوجيا 2021/10/20
...

د. صفد الشمري  
هل تمكن العراقيون من توظيف قدرات الإعلان الرقمي في تسويق منتجاتهم المتنوعة الى الأسواق المحليَّة والخارجيَّة بشكل صحيح، وهل تخطت صناعة الإعلان في البلاد حدود المناهج التقليدية ولحقت بركب المستجدات الرقميَّة التي غيّرت من قواعد تلك المناهج بالكامل، وهل يجري التفريق لدينا بين صناعة الإعلانات الصحفيَّة والتلفزيونيَّة والإذاعيَّة، وبين صناعتها الإلكترونيَّة النصيَّة والصوريَّة والفيديويَّة والصوتيَّة؟.
 
المصيبة العراقيَّة
صناعة الإعلان الرقمي صارت لها قواعدُ وأدواتٌ، وممارساتها لا تقف اليوم عند المؤسسات والشركات المختصة بالإعلان، حين تمكّن منها صناع المحتويات على مستوى العالم، ممن طوروا قدراتهم البرامجيّة، ودخلوا صناعة الإعلان الرقمي بأسلوب مباشر، بصناعتهم للمحتويات الاحترافيَّة، أو توظيفهم محتوياتهم لعرض الإعلانات الرقمية، بالنظر لما يتمتعون به من متابعات أو مشاهدات مرتفعة، حتى أشار أحد التقارير الدوليَّة مؤخراً إلى أن معدل ما يتقاضونه وهم في أماكنهم فاق أعلى معدلات ما يتقاضاه العاملون بأفضل الوظائف بأضعاف!.
ونعتقد بأن اشكالية العراق مع الإعلان الرقمي تنطلق بشكلها الأساس في عدم فهم أغلب القائمين على تلك الصناعة لمفهوم هذا الإعلان الجديد، ولم يتمكنوا من التمييز بينه، وبين صناعة الإعلان التقليدي، الذي كانوا ينتجونه للصحافة أو الإذاعة أو التلفزيون، ويتفاقم الموضوع حدّة حين تجد أن مناهج تدريس الإعلان الرقمي وأساليبه في الأكاديميات والمؤسسات العراقية لا تفرّق بين المجالين التقليدي والجديد، ويجري تأهيل قدرات المتدربين على أن صناعة الإعلان الرقمي، الذي يعتمد شكل المحتوى الفيديوي مثلاً، وهو الإعلان التقليدي ذاته للتلفزيون حين يجري بثه عبر وسيطة رقمية، وكذا الحال بالنسبة للمحتوى الصوتي والإعلان والإذاعي، والمحتوى النصي أو الصوري والإعلان الصحفي، ناهيك عن عدم درايتهم أساساً بانماط وأدوات الإعلان الرقمي الآخذة بالتطور، ومن هنا تنطلق المصيبة!.
 
الهجرة الرقميَّة
يعزز من أهمية الاعلان الرقمي ذهاب المختصين إلى توصيف هذا المفهوم بأنه إشارة واسعة وكاملة إلى جميع أنواع الاتصالات، التي تقوم بها صاجب المنتج للإعلان عن علامته التجارية أو منتجه والترويج له باستخدام المنصات والقنوات الرقمية، وهي بذلك تتكون من {إجراءات في متصفحات الويب أو صفحات الوسائط الاجتماعية أو المدونات أو التطبيقات أو أي شكلٍ آخر من أشكال الاتصال عبر الإنترنت}، وصار هذا الإعلان من وجهة نظرهم بمنزلة “عملية ترحيل وتكييف الشركات والأشخاص المنتجين مع الحركة التي مرت بها المجتمعات المعاصرة ككل”، من الاستخدامات الرقمية المتعددة.
هذا ما يستدعي أن تتوافر صناعة الإعلان الرقمي على تخطيط وتشكيل المضامين المطلوب تسويقها على شبكة الإنترنت باستخدام عدد من البرامج والتطبيقات، وبما يتوافق مع طبيعة الأوعية الرقمية وعادات المستخدمين الإلكترونية، ومن هنا تختلف هذه الصناعة تلك التقليدية، من حيث الأدوات والأساليب وحتى الستراتيجيات تبعاً لهدف الإعلان نفسه والإمكانات، التي جرى توفيرها لها، إلى جانب طبيعة المجال المستخدم في نشر هذا الإعلان أو بثه.
ومن هنا تنطلق صناعة الإعلان الرقمي من دراسة المنتج او الخدمة التي تهدف إلى تقديمها، تحديد الجمهور المستهدف ومعرفة اهتماماته ودراسته جيدا في ما يعرف بدراسة المستهلكين، مع تحديد هوية الجمهور وأين يمكنك أن تجده: في محركات البحث أم وسائط التواصل الاجتماعي أم غير ذلك، وهو ما يستدعي تحديد افضل عناصر المنتج التي يمكن التركيز، واختيار افضل الكلمات المفتاحية ودراسة الحيز الإلكتروني، التي يُعرض عبره الإعلان وتشخيص افضل المواقع وأكثرها ثقة وكفاءة، مع معرفة الوقت المناسب لنشره ضمن خطة التسويق الإلكتروني.
فضلاً عن اختيار المحتويات بشكل دقيق والتي يمكن ان تقابل بتفاعل كبير وتحفّز المستخدم على اقتناء المنتج، وتوصيف الميزانية المناسبة لصناعة الإعلان والعمل على الحصول على أفضل النتائج بأقل تكلفة، وتقديم الاحصائيات والتقارير للمحتويات الرقمية المدفوعة بشكل دوري، ومتابعتها بشكل مستمر للعمل على تحسين النتائج أولاً بأول ومعرفة نقاط الضعف فيها والعمل على تقويتها وتفاديها ونقاط القوة والعمل على زيادتها والإفادة منها بشكل أكبر.
 
الشكل الجديد
تتعدد الإعلانات الرقمية من حيث شكلها الذي يظهر أمام المستخدمين إلى مجموعة أنواع، ومنها الإعلانات الأفقية، التي تتواجد في كل الأوعية الإلكترونية تقريباً، وتندرج ضمنها العديد من التنويعات في الشكل والمضمون، إلا أن جميعها يتشارك بسمة أساسية وهي {إن نقرتم عليها يظهر أمامكم المنتج المعلَن عنه}. ويعد هذا النوع من الإعلانات الأول من بين باقي الأنواع التي تستخدم على شبكة الإنترنت اليوم.
وهناك {الإعلان الجانبي} الذي يُعرف كذلك بإعلان {ناطحة السحاب}، الذي يمتاز عن سابقه بعموديته وقد يكون تأثيره أقوى وكذلك فاعليته في إيصال رسالة المعلن إلى المتصفح، ذلك لأنه لا يختفي مع نزول المستخدم الأخير إلى أسفل الصفحة بالنسبة للمواقع الإلكترونية، بل يبقى مرأى المتصفح، وهذا ما يزيد من فرص النقر عليه، إلى جانب الإعلانين {القافز والمتسلل}، فالإعلان القافز وكما يدل عليه اسمه هو ذاك النمط الذي يقفز في صفحة إلكترونية خاصة به فور الدخول الى الحيز الرقمي، مما يدفع المتلقي إلى إغلاق الإعلان أو إزاحته على الأقل، وهو ما قد يجعله مزعجاً من وجهة نظر المستخدمين، فيما يكون الإعلان المتسلِّل شبيهاً بنظيره القافز، إلا أنه يتسلَّل أسفل المحتويات التي تكونون بصدد متابعتها، ويجري اعتماد النوعين بشكل كبير على الرغم من إزعاجهما للمستخدمين، إذ يعدان في نهاية الأمر أكثر فاعلية من الإعلان الأفقي مثلاً، ويزيدان من فرص النقر عليهما.
وهناك “الإعلان الطائر” الذي يظهر مع الدخول إلى الحيز الإلكتروني، ويبدأ بالطيران فوق الصفحة لمدة تتراوح بين خمس إلى ثلاثين ثانية، ويعوق أثناء رحلته هذه رؤية ما يحاول المستخدم متابعته، وغالباً ما يعوق قدرته على تحريك المؤشر أيضاً، إلا أن العديد من الإعلانات الطائرة تكون مزودة بزر يمكن من غلقها، في حال الرغبة بالعودة إلى الصفحة الأصلية، وهناك ما يعرف بإعلانات {النصوص}، التي تظهر عادةً في صفحة النتائج، بعدما يكون المستخدم قد قام ببحث إلكتروني على محركات البحث، ويظهر على أنه من نتائج هذا البحث، ويكون في أغلب الأحيان ذو صلة بما يبحث المستخدم عنه تبحثون عنه؛ فلو تم ادخال جملة {مكملات غذائية صحية} في محركات البحث مثلاً، فانه سوف يحصل على نتائج هي في الوقت نفسه إعلانات عن مواقع ومحتويات متعلقة بمثل هذا المنتج.
 
تسعير الصناعة
يشير {امازون} وهو أكبر متاجر التجزئة القائمة على الانترنت في العالم، إلى أن سياسات تسعير تكلفة الإعلان الرقمي تختلف وفقاً لمعايير معينة، إلا ان هناك نوعاً شائعاً من التسعير هو التكلفة أو الدفع لكل نقرة، وهو نموذج تسعير تدفع فيه كل مرة ينقر فيها المستخدم على إعلانك، وان هناك نوعاً آخر هو التكلفة لكل ألف مرة ظهور، حيث يدفع المعلن مبلغًا معينًا مقابل الف حالة ظهور للمنتج، أو أوقات ظهوره، ويمكن الدفع باستخدام نماذج أخرى، مثل الدفع في كل مرة يؤدي فيها الإعلان إلى الإجراء المطلوب، من قبيل قيام المستخدم بالتسجيل في قائمة البريد الإلكتروني أو تنزيل المنتج، إذ يمكن قياس الإعلانات الرقمية بعدة طرق مختلفة، ومنها مجموع المرات التي يظهر فيها الإعلان، وعدد النقرات عليه، وعدد المرات التي يؤدي فيها إلى عملية بيع، كما يمكن تخصيص التسعير بحسب الوظيفة المطلوبة من الإعلان الرقمي.
وتتحدث أمازون عن معايير لقياس فاعلية الإعلانات، كدليل ارشادي للمعلنين، ومنها عدد المرات التي يتم فيها النقر على الإعلان، وعدد المرات التي يظهر فيها، والنسبة المئوية لمرات الظهور التي تؤدي إلى النقرة، وعدد المشاهدين الذين يتم عرض الإعلان أمامهم، الى جانب عدد المرات التي شاهد فيها المستخدومون، الذين تم عرض إعلان المحتوى الرقمي الفيديوي الخاص بالمعلن أمامهم للإعلان بالكامل، وبذا تتمثل نتائج نجاح الاعلان الرقمي بمجموع المرات التي قام فيها المستخدمون بتنفيذ إجراء معين من قبيل النقر أو الشراء أو الاشتراك بعد عرض الإعلان الرقمي.
وكذلك حساب عمليات الشراء التي يمكن إرجاعها إلى هذا الإعلان، وقد تختلف نماذج الانتساب حسب نوع الإعلان والخدمة، ومقدار الأرباح التي حققها مقارنة بمبلغ الميزانية التي جرى انفاقها، ومقدار الربح الصافي الذي كسبه المعلن نسبة إلى مبلغ الميزانية التي أنفقها، ونسبة الإنفاق على الإعلانات إلى المبيعات المنسوبة للإعلان، وعدد عمليات الشراء التي قام بها العملاء الذين لم يشتروا المنتج قبل الاعلان.
 
النظرة المتجددة
تحقيق هدف الوصول إلى تسويق فاعل للمنتج العراقي الذي يعاني في أساسه من إشكاليات عدة تتطلب فهماً حقيقياً للإعلان الرقمي من قبل المعلنين أنفسهم، وتوظيفاً فاعلاً لقدراته التسويقية التي كسرت القواعد التقليدية، ومكّنت من المنافسة عبر الحدود مع امكانية توظيف الجوانب العاطفية في التسويق بضرورات دعم الصناعة العراقية، وهو ما يتطلب نظرة جديدة للإعلان في العراق، غير تلك السائدة اليوم في وسائطنا الرقمية!.
 
*خبير التواصل الرقمي