ابراهيم العبادي
يتعين على العراقيين والعالم الخارجي الانتظار، والتعامل مع ماراثون سياسي معقد، قبل ان يتمكن سياسيو العراق من اعادة تشكيل السلطات الثلاث.
التقديرات تشير الى أن الانسداد سيتواصل بسبب انقسام الكتل الشيعية السياسية الى جناحين رئيسين، وغياب تيار ثالث مؤثر وضاغط، وسيكون لكل ذلك اثر بالغ في اطالة أمد ازمة الاختلاف على نتائج الانتخابات، وستفقد الارقام البرلمانية قيمتها السياسية، وسيصار الى الاخذ بحجوم وتأثير الاجنحة والكتل على الارض، وليس بما حققته في الانتخابات، فالعقل السياسي ليس مستعدا بعد للتسليم الواقعي والشكلي بما تحقق في صناديق الاقتراع، وستكون ستراتيجية التشكيك والطعن، حجر الزاوية في ابقاء اصوات كتل وقوى ضاغطة، والى ان يحين موعد الاقرار بالتوافقات والصيغ السياسية، فإن عمر حكومة تصريف الاعمال سيطول، كما ان قدرة الحكومة ووزاراتها على معالجة الازمة الاقتصادية والمشكلات المتفرعة منها، ستكون محدودة للغاية.
التوقعات تشير ايضا الى ان الاستقطاب الثنائي الشيعي لن يصل الى توافق يفتح المجال لتشكيل الحكومة، الا بعد ان يضمن كل جناح فرصه في هذه الحكومة لمنع الجناح الاخر من تنفيذ غاياته، واغلب الظن ان التوافق سيقود الى طرح مواصفات رئيس للحكومة، مرن مستجيب لطموحات وشروط واهداف الكتلتين الرئيستين.
ماوصلت اليه الساحة السياسية الشيعية هو نتاج طبيعي لممارسة السياسة بمفهوم دافعه الصراع والدفاع عن الحيز الشخصي والحزبي والكتلوي، فكل جناح من الجناحين يخشى من هيمنة الجناح الاخر، ويرسم سردية متخيلة لما يترتب على تلك الهيمنة من نتائج عليه وعلى جمهوره وخطابه السياسي.
ان الخوف من المستقبل، والشك العميق بنوايا الاخر، سيعقد مفاوضات الاطراف المتعددة الرامية الى تقاسم السلطات وبناء الهرمية الحاكمة، وقد بالغت الاطراف المتنافسة في ايصال رسائلها، بما أكد (استحالة) تنازل كل جناح رغم المخاطر المتصاعدة أمنيا وسياسيا، وتزايد حدة الاضطراب الاقليمي، لكن هذه المخاطر لن تدفع جناحا الاستقطاب الى طرح الحلول الوسط مبكرا، فما زال السقف عاليا لدى كل طرف، بينما تنتظر القوى السنية والكردية انتهاء الازمة الداخلية الشيعية قبل ان تشارك هي الاخرى في مفاوضات الثلث الاخير.
لقد كان واضحا ان الحجوم الانتخابية لم تكن حاسمة ومفصلية، وحتى تدخلات الفاعلين الاقليميين والدوليين، فما يحدث هذه المرة هو تغيير في المشهد، إذ لم تعد صيغة (الترويكا السياسية) هي اصل المشكلة، فالازمة ليست بين الكورد والشيعة والسنة كما كانت، بل إن الاختلاف الشيعي -الشيعي هو جذر الازمة راهنا، وعليه لابد من حلحلة هذا الاشتباك والاستقطاب العالي وزحزحة فكرة الهيمنة على القرار الشيعي من الزعامات المتنافسة، هذه الزحزحة لن تتحقق الا بعد ان يتحرر طرفا الاستقطاب من الخوف المزمن من الاخر.