تحديات المفاوضات النووية المقبلة

قضايا عربية ودولية 2021/11/06
...

محمد صالح صدقيان 
في نهايةِ المطاف أخبرت طهران مفوضية الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي عن جاهزيتها لاستئناف المفاوضات النووية مع المجموعة الغربية في 29 تشرين الثاني الجاري. الاعلان الذي رحبت به الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي جاء بعد مشاورات اجرتها مع اصدقائها وبعد الانتهاء من وضع تصور واضح لالية المفاوضات في ظل الحكومة الجديدة التي يرأسها ابراهيم رئيسي علی خلفية ست جولات من المفاوضات مع المجموعة الغربية لم تضف الی اتفاق لاحياء “الاتفاق النووي” مع حكومة الرئيس الايراني السابق حسن روحاني.
الايرانيون دعوا الی مفاوضات جدية تؤدي الی الغاء العقوبات الاقتصادية واحياء الاتفاق النووي . هذه الدعوة قابلتها دعوة مماثلة من الجانب الاميركي ؛ الامر الذي اشّر علی استمرار حالة عدم الثقة الموجودة بين الجانبين مما يجعلنا “نتفاءل بحذر” لنتيجة المفاوضات المقبلة
مرّد هذا “التفاؤل الحذر” يرجع الی تحديات حقيقية تواجه المفاوضات سواء كانت من الجانب الايراني او من الجانب الاميركي. اولا؛ ان العقوبات التي يتم الحديث عنها مرتبطة بالبرنامج النووي الايراني وليس جميع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة علی ايران ،مثل تلك المفروضة علی خلفية حقوق الانسان او الارهاب او المنظومة الصاروخية . وهذه بحد ذاتها تقف حائلا دون التمكن من التعاطي تجاريا او اقتصاديا مع ايران بسبب هذه العقوبات حتی وان تم رفع العقوبات المفروضة علی خلفية البرنامج النووي . 
ثانيا؛ علی طاولة الحكومة الايرانية قانون ملزم صادر من مجلس الشوری “البرلمان” في كانون الاول من العام 2020 يشترط ازالة جميع العقوبات سواء كانت علی خلفية البرنامج النووي او غيره قبل الموافقة علی تخفيض التصعيد في البرنامج النووي الذي وصل تخصيب اليورانيوم فيه الى نسبة 60 %؛ في الوقت الذي لم تعط فيه المفاوض الايراني صلاحية بحث اي من الملفات ما عدا الملف النووي.
ثالثاً؛ الجانب الايراني يصّر علی الغاء جميع العقوبات التي فرضها الرئيس دونالد ترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي عام 2018؛ في حين ان الحكومة الاميركية لا يمكن لها “ازالة” هذه العقوبات بل “تعليقها” لان بعضها صادر من الكونغرس؛ وان رفع العقوبات امر متعلق بالكونغرس؛ لا سيما في ظل قانون “كاتسا” الذي صوت عليه الكونغرس عام 2017 والذي يعارض رفع العقوبات علی ايران.
رابعا؛ مجموعة 4 + 1 وهي بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين اضافة الی المانيا تعتقد ان المفاوضات يجب ان تٌستأنف من حيث انتهت اليه الجولات الست السابقة ؛ فيما حكومة الرئيس ابراهيم رئيسي تعتقد انها غير ملزمة بما توصلت اليه المفاوضات السابقة. 
خامسا؛ ايران تطالب بضمانات الالتزام بتنفيذ اي اتفاق يمكن التوصل اليه مع المجموعة الغربية للحيلولة دون تكرار خطوة الانسحاب التي قام بها الرئيس الاميركي دونالد ترامب؛ وان حكومة الرئيس بايدن لا يمكن لها اعطاء مثل هذه الضمانات للحكومة الاميركية المقبلة سواء كانت جمهورية ام ديمقراطية؛ وحتی اذا اعطی الرئيس بايدن مثل هذه الضمانة؛ من الذي يضمن عدم قيام الكونغرس باعادة العقوبات التي يلغيها الرئيس بايدن سواء في عهده او في الحكومة المقبلة؟
سادسا؛ ان حظر التسليح علی ايران انتهی في تشرين الاول 2020 استنادا علی قرار مجلس الامن الدولي 2231 ؛ الا ان الرئيس ترامب لم يلتزم به ؛ وليس من المعلوم رغبة الرئيس بايدن في ازالة قرارات اتخذتها الحكومات الاميركية السابقة.
سابعا؛ ظهر من خلال الاعوام السابقة ان علاقات ايران الخارجية اثرت بشكل مباشر او بشكل غير مباشر علی تنفيذ الاتفاق النووي ؛ وان الثوابت التي تلتزم بها ايران لازالت علی حالها وهي تنعكس علی علاقاتها الخارجية مما تشكل تحديا للمفاوضات ولاي اتفاق يمكن التوصل اليه. 
ثامنا؛ في اطار ازالة العقوبات هناك ثلاثة سيناريوهات. الاول تلتزم به ايران وتقول يجب ازالة العقوبات اولا ومن ثم التحقق من صدقية الخطوة قبل ان تقوم بخفض التصعيد في برنامجها النووي. فيما السيناريو الثاني الذي تتبناه مجموعة 4 + 1 الذي يدعو الی تنفيذ متزامن لازالة العقوبات وخفض التصعيد النووي. اما السيناريو الثالث وهو الاميركي الذي يطالب ايران بخفض التصعيد اولا قبل ازالة العقوبات. 
مثل هذه الاجواء تجعل صعوبة التكهن بنتائج المفاوضات بل تجعلنا امام مشهد مختلف عما كان عليه قبل حزيران الماضي.