اليسار الاسلامي العراقي

العراق 2021/11/08
...

ابراهيم العبادي
في يوم 21 تشرين الاول 2021 رحل المفكر المصري حسن حنفي، استاذ الفلسفة وصاحب المؤلفات الكثيرة والقلم الغزير عن 86 عاما قضاها دارسا ومجادلا ومنافحا عن مشروعه الفكري (تجديد التراث الاسلامي) مستخدما منهجيات الغرب وادواته المعرفية، مستعيناً بدراسته لعلم اصول الفقه، مازجا ذلك بوعي وطني ينتمي الى مدرسة النضال العالمثالثية ضد الاستعمار الغربي، مبشرا بمشروع نهضوي وفق نظرية تفسير تجمع بين الموقف من التراث والموقف من الغرب. 
عرفه المهتمون والجمهور العادي بأنه صاحب مشروع اليسار الاسلامي الذي كتبه بإسم باحثين وكتّاب يشاركونه الفكرة، كلهم نهلوا من مدرسة  تريد أن تجمع بين الحداثة الغربية والأصالة الاسلامية. هذا المشروع هدف الى جعل الفكر التراثي مادة نهوض بيد الثوار والمناضلين ضد الهيمنة الغربية وأدواتها المحلية، متمثلة بأنظمة سياسية وجماعات تدعو للتحديث والعصرنة على حساب الهوية والجذور الثقافية والقيم الدينية.
لم يكتب لمشروع اليسار الاسلامي النجاح عمليا كغيره من مشاريع كبار المفكرين والمثقفين، فقد ظل فكرا نخبويا لايستطيع مجاراة الأحزاب والجماعات الدينية الغائصة بالتراث، فغلبت شعبويتها السلفية قوى التجديد والتطوير، الا ان مابقي من مشروع اليسار الاسلامي هو انحيازه الى قوى الثورة والمقاومة والنضال ضد القوى المسيطرة على وسائل الانتاج والثروة والقوة المادية وحليفها القوي (الغرب الاستعماري).
ظل حسن حنفي وفيا لنشأته الاولى أخوانيا متحمسا، ثم متحولا ناشطا سياسيا في صفوف حزب اليسار المصري (التقدمي الوحدوي) في نهاية سبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي.
الفرق بين حسن حنفي وقرائه والمتحمسين لمشروعه، انه يعرف جيدا سبب قوة وعملقة الغرب المعرفية والعلمية والفلسفية والتقنية، بحيث انه ماكان ليكون، لولا تتلمذه في باريس على يد أساتذة كبار، فتحوا عيونه على مسارب التجديد عبر مناهج غير التي يتحدث عنها كتاب الشرق، فأدوات التجديد التي ابدعها الغرب كانت سلاح حنفي لتقديم التراث الاسلامي بأثواب جديدة كما كان يطمح، من هنا كان الغرب ملهما ومتحديا في الآن ذاته، هذا التحدي حوّل الكثير من المسلمين مثقفين وغير مثقفين، ماضيا وحاضرا،  الى مرضى بالتراث والغرب، يعانون من عصاب نفسي وصدمة متجددة بتعبير جورج طرابيشي (1939 - 2017) كلما طُرح موضوع العلاقة بالغرب لم يفيقوا منها حتى اللحظة.
مات حسن حنفي صاحب مشروع اليسار الاسلامي وصاحب (من العقيدة الى الثورة، والتراث والتجديد ومن الفناء الى البقاء ووووو) ربما كثيرون لم يسمعوا به ولم يقرأوا له،  بل من قرأ ربما لم يفهم  مشروعه واهدافه ومراميه،  فاتهموه بالجحود ومعاداة الامة ، لكن الجمهور من حيث يدري ولايدري، حقق له ماأراد،  فاليسارية والثورية وكراهية الغرب، ظلت تتردد سلوكا وشعارا، يسارية نظرية معتدلة  اسسها رجال عصر مقارعة الاستعمار والصهيونية، ونظر لها ماركسيون واسلاميون، انتهت الى يسارية طفولية في بعض مساربها، وبقيت مبادئ اليسارية معشعشة في الفكر اليومي المعاش.