يظلّ قصر الحكم شاهداً على أعظم قرارات الحروب والسلام، والخراب والإعمار، التي عرفتها البشريَّة، بعد أن كان زمناً طويلاً رمزاً للسلطة المطلقة، وما يجري (خلف الكواليس)، لكنه بحكم تطور النظام السياسي، انتهى إلى التهميش.
والقصور في الممالك والجمهوريات، تملك ولا تحكم، حيث عصر الديمقراطيات المعاصرة التي اعتبرت أنَّ السلطة هي الشعب.
وفي الماضي إذا امتلكْتَ دبابة ودخلْتَ قصر السلطة، يعني نسفْتَ نظاماً بأكمله.
وقصر باكنغهام مقر إقامة ملكة بريطانيا الرسمي في لندن المبني العام 1705 مثال لتحولات النفوذ للشخوص والأشياء، حتى انه أهين، وأُحرِق، وهُدِم، حتى همّشه النظام الديمقراطي، وألغى صلاحياته وتحول إلى مجرد مقام للمراسيم والتشريفات، ومأوى صاحبة الجلالة.
قصر الأليزيه رمز سطوة ملوك فرنسا، اتّخذ منه الروس اصطبلا، وهمّشه الألمان، وحولته الثورة الفرنسية إلى معمل مطبعة، وحاصرته جماهير الثورة الفرنسية، وانتهى به الزمن، إلى رئيس محدود الصلاحيات.
البيت الأبيض الأميركي يوصَف بالمتنزه، إذ يتجول أكثر من مليون ونصف المليون زائر، فيه وحوله.
وفي موسكو، جعل البلاشفة منذ العام 1918 من قصر الكرملين، نموذجا صارخا لنفوذ النظام الشمولي الشيوعي، يصيب المواطن الروسي بالرهبة، والتوجّس، لكنه اليوم مكان مفتوح للزائرين، مثل أي حديقة عامة.
صناعة القرار السياسي لم تعد احتكارا على القصر، بل توسّعت إلى مشاركة الأفراد الذين لديهم دائما مجموعة متماسكة من التفضيلات، ويجمعون المعلومات الضرورية للوصول إلى قرار مستنير، وتقييم الإجراءات البديلة، عبر الأحزاب التي تمثلهم في البرلمان الذي أصبح في الدولة العريقة الديمقراطية، هو مركز الحكم الحقيقي.
نجحت الديمقراطية باعتبارها نظاما سياسيا يشارك فيه جميع المواطنين في اخراج صناعة القرارات من الغرف الخاصة في القصور، إلى الشارع وجعْل المشاركة ملزِمة لجميع الأفراد.
أدى ذلك، إلى انهيار سلطات النخب، وقصورها إلى الحد الذي أشيع فيه في بريطانيا أنَّ كلاً من برج لندن، وهو مقر رسمي لقطع رؤوس المعارضين في الماضي، وقصر باكنغهام، يسكنهما شبحان، في إشارة إلى التاريخ المظلم.
بل إنَّ الكثير من المساكن الملكية، في أوروبا صارت لها حكايات خرافية، بسبب تاريخ زاحف مرتبط بالاستبداد، لتطلق شائعات العقل الجمعي بانها (مسكونة).
ومن ذلك أنَّ قلعة وندسور التي حُبس فيها الملك جورج الثالث ثم انحدر إلى الجنون، ما زالت تفزع الكثير من الزائرين.
القصر الملكي الإنجليزي، هامبتون كورت، تحول إلى مؤسسة خيرية.
قصر الشتاء المرتبط باسم القيصر الروسي، نيكولاس الثاني، شهد مقتل أكثر من 100 متظاهر سلمي على أيدي الشرطة خلال ثورة 1905.
وحتى مطلع القرن العشرين، كان هناك نظام ملكي لكل بلد في أوروبا، مع ثلاثة استثناءات: فرنسا وسويسرا وسان مارينو. ومع بداية القرن الحادي والعشرين، برزت أشكال الحكومة الديمقراطية، وتحولت القصور الملكية إلى متاحف، أو ما يشبهها.