ترجمة: الصباح
دعا الرئيس الصيني تشي جين بينغ مئات المسؤولين الى بكين بشكل مفاجئ مؤخرا، وأجبر بعضهم على اعادة جدولة اجتماعات محلية مخطط لها منذ فترة طويلة. بدا اللقاء مصمما للابلاغ عن حاجة ملحة تثير القلق، اذ أخبر تشي المسؤولين أن الحزب الشيوعي يواجه مخاطر كبيرة على كل الجبهات ويجب أن يستعد لمجابهة أوضاع صعبة.
وسواء كان التعامل مع السياسة الخارجية أو التجارة أو البطالة أو أسعار العقارات، فيقول المراقبون أن على المسؤولين تحمل تبعات الأخطاء وترك المخاطر تتحول الى تهديدات حقيقية. وذكر تشي أمام مسؤولي حكومته خلال التجمع بمدرسة الحزب المركزية: “عالميا، مصادر الاضطراب ونقاط الخطر متعددة. وداخليا، الحزب في خطر بسبب الكسل وعدم الكفاءة والانعزال عن الجمهور.”
يعد الخطاب واحدا من أكثر التحذيرات قساوة التي أطلقها تشي منذ توليه السلطة عام 2012، وتكرر صداه عبر مئات اجتماعات الحزب المحلية على مستوى الصين.
يؤكد الخطاب كيف أن النمو الاقتصادي البطيء والحرب التجارية مع الولايات المتحدة قد ضخمتا مخاوف قيادة الحزب المزمنة من حدوث اضطراب اجتماعي.
لا يوجد منافسون سياسيون في الأفق قد يشكلون تهديدا وشيكا على الحزب الشيوعي الصيني أو الزعيم تشي، لكن ملاحظاته أوضحت أن العام الحالي خصوصا (وهو عام ذكريات سنوية سياسية حساسة) سيشهد اخماد الحزب بقسوة لأي شرارة قد تشعل الاحتجاجات والفوضى.
حقق تشي قبل عام تقريبا انتصارا داخل البرلمان الصيني عندما ألغى عدد الفترات الرئاسية فاتحا الطريق لعشر سنوات أخرى أو أكثر من قيادته للبلاد والحزب، وأعاد تشكيل الحكومة لتصبح أداة أكثر اذعانا لسلطة
الحزب.
يبدو أن ذلك الشعور بالنصر قد تراجع بعد خطاب تشي وتحذيرات المسؤولين، والرئيس الصيني حريص أيضا على الاشارة الى تحمل المسؤولين الآخرين تبعات الأوضاع اذا ازدادت سوءا كما قال عدة خبراء.
تهديدات متعددة
تحذيرات تشي أوسع نطاقا من نداءاته المتكررة السابقة، ونهجه الدفاعي سيقيد التغيرات السياسية في العام الحالي. مع أن مفاوضي الرئيس الأميركي يريدون من الصين اتخاذ خطوات كبيرة لتقليص سيطرة الدولة على الاقتصاد، لكن تشي يبدو معارضا للقيام بمراهنات.
أبلغ تشي المسؤولين المحليين أن الاقتصاد مصدر قلق رئيسي، وعليهم الحذر من “البجع الأسود ووحيد القرن الرمادي”، وهذا مصطلح استثماري للصدمات الاقتصادية المفاجئة والمخاطر المالية المختبئة على مرأى من الجميع.
تشمل المخاطر الاقتصادية على الصين ارتفاع الدين الحكومي المحلي والرسوم الجمركية الأميركية والتصدي الدولي ضد التوسع التكنولوجي الصيني، وتحديدا شركة هواوي لمعدات الاتصالات.لكن تشي حدد مخاطر تتعدى الاقتصاد بكثير، وخصوصا المخاطر السياسية مثل قدرة الحزب على إبعاد الشباب الصيني عن الخروج من مداره
الأيديولوجي.
فقد طالب الرئيس بوسائل سيطرة أكثر صرامة على الانترنت الصيني (الخاضع أصلا لرقابة شاملة) والمزيد من التلقين لضمان مشاركة جيل الشباب في البناء ويرثون الاشتراكية. لكن دعوة تشي الى استقرار ثابت قد تعود بنتائج عكسية، اذ أن التحذيرات من وجود خطر بكل مكان ستخنق روح المبادرة والمرونة اللتين يحتاجهما المسؤولون الصينيون لنزع فتيل المخاطر الاقتصادية والاجتماعية طويلة المدى.
تضع المطالبات بنظام صارم على جبهات كثيرة الكوادر المحلية في مواقف شبه مستحيلة، مثال على ذلك: محاولة منع خسارة الوظائف وخفض الدين واغلاق المشاريع غير الكفوءة، أو محاولة تحفيز الاستثمار الخاص وشن حملة ضد التلوث والائتمان المصرفي، أو الاعلان عن ثقة الجمهور بالحكومة وقمع
شكاوى الناس.
وتبدو اصابة الصين بالذعر بعيدة الاحتمال اذا أخذنا بعين الاعتبار امتداد الحزب الشيوعي والقوة الكامنة للاقتصاد والسلطات الواسعة لأجهزة الأمن المحلية. لكن القلق يسري عميقا في عروق تشي، فهو ابن زعيم ثوري شيوعي بارز، ومنذ توليه السلطة ألمح الى القلق من فقدان الحزب لسلطته.
كما شعر الكثير من الأكاديميين ورجال الأعمال والمسؤولين السابقين بالاستياء بسبب الغاء عدد الفترات الرئاسية، على الرغم من الرقابة والاجراءات الأمنية.
ذكريات مقلقة
تفاقمت مخاوف قادة الصين بسبب تحذير صحف الحزب من كتلة معادية للحكومات الغربية بقيادة أميركا، تصدت لعمليات الاستحواذ التكنولوجية الصينية والنفوذ الاعلامي والاعتقالات واسعة النطاق في تشينجيانغ.يحذر هؤلاء المسؤولون من أن العام الحالي، خصوصا، هو ذكرى سنوية لأحداث حساسة قد تثير الجمهور، بحسب ما ذكرته أوامر أصدرتها الحكومات المحلية، تتمثل بمرور 30 سنة على مظاهرات الطلبة الذين طالبوا بتغيير ديمقراطي، حيث ملأت الحشود بكين ومدنا أخرى، وانتهت بمطاردة مسلحة دموية حول ميدان تيانانمين بدأت في اليوم الثالث من حزيران 1989؛ فضلا عن الذكرى المئوية لاحتجاجات الطلبة الوطنيين التي تحل يوم الرابع من آيار 1919، ومرور 60 سنة على انتفاضة فاشلة ضد الحكم الصيني لاقليم التبت، وذكرى مرور عشر سنوات على أعمال شغب عرقية قتلت المئات من الأويغور في اقليم تشيجيانغ غرب البلاد، حيث أحتجز مئات آلاف من المسلمين داخل معسكرات التلقين
الاجبارية.
تستعد الحكومة أيضا لإجراء احتفالات كبرى بحلول تشرين الأول لإحياء الذكرى السبعين منذ تأسيس الزعيم ماو تسي تونغ لجمهورية الصين الشعبية. طرحت المقاطعات والمدن والبلدات منذ اجتماع كانون الثاني، أو جددت خططها لمراقبة واحتواء المخاطر، وحذرت الحكومات المحلية قوات الشرطة لزيادة يقظتها تجاه المظاهرات قبيل “مواعيد ذكريات سنوية حساسة”.
وكانت احتجاجات صغيرة نفذها طلبة ماركسيون ساندوا عمالا مضربين عن العمل العام الماضي قد أدت الى اعتقالات وتحذيرات لجامعات العاصمة بكين.