ماريا أبي حبيب
ترجمة: خالد قاسم
كانت لحظة منحوسة بالنسبة لجيش تعتمد عليه الولايات المتحدة للمساعدة بكبح جماح قوة الصين المتنامية. وجد طيار من القوة الجوية الهندية نفسه في خضم معركة جوية مع مقاتلة باكستانية، وانتهى به المطاف أسيرا لفترة وجيزة خلف خطوط العدو
عاد الطيار الى وطنه سليما سوى بعض الكدمات، لكن طائرته ميغ 21 القديمة التي تعود الى العهد السوفييتي كانت أقل حظا. وتعد المواجهة الجوية، وهي الأولى بين خصمين من جنوب آسيا منذ خمسين سنة تقريبا، اختبارا فريدا للجيش الهندي وتركت المراقبين مذهولين قليلا. بينما لا تعد التحديات التي تواجه القوات المسلحة الهندية سرا. غير إن خسارتها طائرة مقاتلة أمام دولة ذات جيش بنصف حجم نظيره الهندي ويتلقى ربع تمويله تعد أمرا كبيرا.
ويقول المراقبون العسكريون أنه اذا ما اندلعت حرب شاملة غدا فالهند تستطيع إمداد جنودها بذخيرة تكفي عشرة أيام فقط، وتؤيد التقديرات الحكومية معلومات المراقبين العسكريين. أما معدات الجيش الهندي فأكثر من ثلثيها قديمة جدا، وتعد رسميا “عتيقة”. يشعر مسؤولون أميركيون، يعملون على تعزيز التحالف، بالاحباط عندما يتحدثون عن مهمتهم: تتسبب البيروقراطية المتفشية داخل الهند بتباطؤ مبيعات السلاح والمناورات العسكرية المشتركة، وزيادة معاناة الجيش الهندي من نقص كبير في التمويل، وميل قواته البرية والجوية والبحرية الى التنافس بدلا من العمل معا.
أيا كانت المشاكل فالولايات المتحدة مصممة على جعل الهند حليفا أساسيا خلال السنوات المقبلة لغرض مواجهة طموحات الصين الاقليمية المتزايدة. وظهرت علامات هذا الحلف عندما أعلن وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس العام الماضي أن البنتاغون سيعيد تسمية القيادة العسكرية لمنطقة المحيط الهادئ الى “المحيط الهادئ-الهندي” كتأكيد على أهمية الهند في تغيير النظام
العالمي.
تحالفات متغيرة
بدأ الجيش الأميركي بمنح الأولوية الى تحالفه مع الهند لأن علاقته الوثيقة مع باكستان تدهورت طيلة العقدين الأخيرين. يشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق من عدم كفاية جهود اسلام آباد لمحاربة الارهاب، وهي تهمة تنفيها باكستان.ومن جهة أخرى، ارتفعت مبيعات السلاح الأميركي الى الهند خلال عشر سنوات فقط من الصفر تقريبا الى 15 مليار دولار، غير إن باكستان ما زالت تعتمد على ترسانة قوية من واشنطن. يقول مسؤولون هنود أن باكستان استخدمت مقاتلاتها أف 16 لاسقاط طائرتها ميغ 21، لكن اسلام آباد رفضت هذا الادعاء وقالت السفارة الأميركية لدى باكستان أن واشنطن تنظر بهذا التقرير، إذ إن الاستخدام الهجومي الباكستاني لمقاتلة أف 16 الأميركية ضد جارتها قد يعد انتهاكا لاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن بيع السلاح.
على الرغم من تدهور جيشها، فإن الهند تحمل جاذبية ستراتيجية واضحة بالنسبة للولايات المتحدة، بسبب موقعها ومساحتها. وتتجه البلاد الى تجاوز الصين كأكثر دول العالم سكانا بحلول العام 2024 وتتقاسم حدودا طويلة مع جنوب وغرب الصين وتتحكم بمياه اقليمية مهمة تحتاجها بكين لطرقها التجارية البحرية.
يبقى التمويل التحدي الأكبر بالنسبة للجيش الهندي، فقد أعلنت نيودلهي العام الماضي ميزانية عسكرية حجمها 45 مليار دولار، بالمقارنة مع ميزانية الصين العسكرية للعام نفسه التي بلغت 175 مليار دولار، وأعلنت الهند مطلع العام الحالي ميزانية أخرى بنفس الحجم.
لا تقتصر المسألة على مقدار إنفاق الهند العسكري، ولكن السؤال هو كيف تنفق تلك الأموال. فغالبية الأموال تذهب الى رواتب الجنود، بالاضافة الى معاشات التقاعد، وتستخدم 14 مليار دولار فقط لشراء معدات جديدة.
على العكس من الصين، حيث الحكومة التسلطية حرة بتحديد السياسة العسكرية حسب رغباتها، تعد الهند دولة ديمقراطية مع كل الفوضى التي تتبع ذلك. ولا يعد خفض عدد الجنود لتوفير أموال تستخدم بشراء معدات حديثة أمرا بسيطا جدا، فالجيش الهندي مصدر وظائف منذ فترة طويلة في دولة تعاني من بطالة مزمنة، وهذه إحدى القضايا الكبرى التي تواجه انتخابات العام الحالي.
وعود منقوضة
كسب رئيس الوزراء نارندرا مودي انتخابات العام 2014 بعد تعهده بإصلاح الاقتصاد وتوفير مليون وظيفة مطلوبة شهريا لإرضاء القوى العاملة المتزايدة. لكنه، مع اقتراب موعد التصويت، أرجأ وعود الاصلاح الاقتصادي وتبنى الاجراءات الشعبوية المعتادة لدى دول أخرى.
يقول مسؤولو الحكومة في نيودلهي أنهم يعانون من طريقة تحسين مستوى معيشة المواطنين وفق الطرق التقليدية الأساسية، وأن عليهم التعامل مع معدلات الأمية العالية والبنى التحتية الضعيفة للصرف الصحي وغيرهما من الأمثلة، مما يجعل زيادة تمويل الجيش أكثر صعوبة فيما تحقق الصين غزوات داخل الفناء الخلفي للهند
برا وبحرا.
فقد تفوقت الجارة الصفراء الكبيرة كثيرا على منافستها، وخلقت طبقة وسطى قوية وخاضعة للضريبة، إذ سمح ازدهار بكين الاقتصادي لها بالاستثمار كثيرا في شراء أحدث المعدات العسكرية وانتاجها محليا. وبينما يخوض العالم نزاعاته مستخدما أحدث الأسلحة بدلا من الجيوش الغازية الكبيرة كما هو حال العقود الماضية، ما زالت الهند متخلفة عن الركب. فعلى الرغم من احتلالها المركز الخامس عالميا بالإنفاق العسكري، لكن ربع ميزانيتها العسكرية للعام الحالي سيتجه الى شراء معدات جديدة.
مع أن شراء المعدات العسكرية عملية بطيئة تجريها معظم الدول، لكن الهند تتحرك ببطء أكبر وسط البيروقراطية والفساد. وقد تعرض مودي مؤخرا الى استجواب قاس من المعارضة بشأن صفقة ضبابية قيمتها تسعة مليارات دولار دولا تقريبا لشراء 36 طائرة طراز “رافال” مقاتلة من فرنسا. وصف معارضوه السياسيون الصفقة بالفاسدة؛ ضمن محاولة لتشويه سمعته قبيل موعد
الانتخابات.
لكن الصفقة تساعد الهند على التخلص من مقاتلاتها القديمة مثل ميغ 21 وغيرها، وحاول رئيس الوزراء مؤخرا قلب الطاولة على المعارضة، قائلا: أن الهند كانت ستؤدي بشكل أفضل خلال مناوشتها العسكرية مع باكستان، فيما لو استخدمت مقاتلات رافال.