المعارضة البرلمانية

آراء 2021/11/17
...

  حميد طارش
 
كتبت في مقال سابق بأن الحكومة المقبلة يجب أن تكون استثنائية بناءً على الانتخابات الاستثنائية (المبكرة) كنتيجة لتنفيذ مطالب الاحتجاجات الشعبية التي أسقطت الحكومة السابقة، وهذا ماحدث لأول مرة في ظل النظام السياسي لما بعد عام 2003، كما أنهت عمل مجلس النواب قبل آوانه، إذن المقدمات والظروف ومانتج عنها يدخل ضمن مفهوم الاستثناء، ومن ثم فإن مجلس النواب المقبل يجب أن يكون استثنائياً بالمقارنة مع ما سبقه من مجالس.
وأهم استثناء، يجب ملاحظته هنا، هو الثنائية الراسخة في مجالس النواب في النظام البرلماني في جميع الدول المتقدمة، وهي الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة، والثانية لاتقل أهمية عن الاولى كونها القادرة على وقف انحراف السلطة وشططها، بحسب ما نادى بها المفكر الفرنسي مونتسيكو، فهي بعبارة أخرى، ممثلة الشعب في حمايته من تعسف السلطة، ومن ثم مساءلتها التي قد تصل الى سحب الثقة منها واسقاطها، أو أنها ستكون هي البديل الفائز في الانتخابات المقبلة، فيما لو فشل الفائزون في تحقيق وعودهم.
لذلك كان غياب تلك المعارضة في جميع برلمانات العراق ما بعد عام 2003 هو السبب الأهم في فشل الحكومات المتعاقبة، فضلاً عن الفشل في انتاج قوى سياسية بديلة عنها، وذلك لغياب أهم آلية رقابية قادرة على ايقاف الفساد والمحاسبة عليه كونها تشغل الهرم الأعلى في السلطة ولها خلفيات شعبية واسعة وقادرة على المساءلة بخلاف الأجهزة الرقابية الأخرى التي لعبت المحاصصة دوراً رئيساً في تشكيلها!.
وغالباً ما يوجه الاتهام الى الاقلية بأنها هي من تفرض على الاغلبية المشاركة في الحكم، وكما اصطلح عليه في الأدبيات السياسية باقتسام الكعكعة أو غنائم السلطة، لكن ليس بالضرورة ذلك، 
بل والاغلبية غير مجبرة على ذلك وانما هي قد تريد تغييب الرقابة البرلمانية والتخلص منها بهدف تحقيق مآربها الخاصة، وربما هي من تبادر وتشجع تلك الاقلية على التخلي عن دروها المهم في الرقابة واستبداله بالمشاركة في الحكم.
واذا كانت الاغلبية تستفيد، لأطماع خاصة، من غياب المعارضة البرلمانية، فإنها تستفيد من وجود تلك المعارضة كمنبه فعّال ومؤشر حازم لبناء دولة الرخاء والامن، وهذا ما تحقق فعلاً في بريطانيا ومثيلاتها من الدول المتقدمة.