«الناطقون الرسميون» يقاطعون الإعلام ويتوارون عن الناس

العراق 2021/11/21
...

 بغداد: هدى العزاوي
يعد «حق الحصول على المعلومة» واحداً من الحقوق التي أقرها القانون الدولي وكذلك القوانين العراقية بمختلف تشريعاتها، وبرغم وجود العشرات من «الناطقين الإعلاميين» و«المتحدثين الرسميين»، وغير ذلك من المسميات، في وزارات ودوائر ومؤسسات الدولة؛ إلا أن الأغلبية منهم قاطعوا وسائل الإعلام بحجج مختلفة، أو ميزوا بين وسيلة وأخرى لأسباب هزيلة، بعضها يرسمه حب الظهور في «الشاشة» المرئية وتفضيلها على «الصحيفة» المقروءة.
 
 
ودائماً ما تشكل الإخفاقات التي تعتري عمل المؤسسات أحد أهم أسباب انكفاء تلك المؤسسات وخشيتها الدائمة من التفات وسائل الإعلام اليها وتسليط الضوء عليها وكشف المستور، ومن هنا تلجأ الى وضع الحواجز والمعرقلات أمام الإعلام الذي ينوي الوصول للحقائق.
وتبدأ تلك المؤسسات بوضع اشتراطات لدخول الإعلاميين إليها، وبعض الاشتراطات تعجيزية تماما وهي طريقة للمنع ولكن بأسلوب آخر، والمصيبة أن بعض المؤسسات تمنع المسؤول من التصريح خشية كشف الحقائق.
وقال الكاتب والصحفي عمران العبيدي، خلال حديثه لـ"الصباح": إن "الخلل في المؤسسة المعنية هو أصل ذلك السلوك، فلو كانت مطمئنة لاكتمال اعمالها بالوجه الصحيح ما اتخذت تلك الاشتراطات ومنعت الإعلام من الوصول لمصدر المعلومات، لا سيما أن بعض المؤسسات هي مؤسسات خدمية وليست أمنية للخشية من المعلومات" .
وأوضح أن "ما يخص منع المتحدثين الرسميين من الإدلاء بالتصريحات أشد غرابة، فهو تعطيل لدورهم الحقيقي، وأسباب ذلك المنع متعددة؛ منها أن المتحدث يفتقر للمعلومات المقنعة للرد على التساؤلات المهمة، أو أن ثقافته لا تتيح له القدرة على الرد، فبعض العاملين في هذه المجالات جاءت بهم (المحاصصة) وليست الكفاءة، أو أنه لا يستطيع الدفاع عن المؤسسة بشكل منطقي وصحيح نتيجة تراكم الأخطاء، مما يجعل التبريرات نوعاً من العبث، وتكون هذه الإجابات مصدراً للتندر في الشارع ولدى الجمهور، مما يوقع المؤسسة في اشكالات كثيرة، فيكون الهروب والانغلاق أفضل وسيلة لها" .
من جانبه، أكد شفيق عبد الجبار، مراسل إحدى القنوات الفضائية العربية، أن "الكثير من المكاتب الاعلامية التابعة لأغلب الوزارات، لا تتعامل مع الإعلاميين بالشكل المطلوب، كأنها منة يمنون بها علينا بالتنسيق لإعداد القصص الصحفية مع ذوي الشأن أو المسؤولين، والسبب بكل تأكيد يكمن بالبيروقراطية غير المنطقية وتعدد مصادر القرار في كل وزارة" .
وأضاف، أنه "في كل وزارة تجد مكتبا اعلاميا خاصا بالوزير، ومكتبا اعلاميا خاصا بالوزارة، ومتحدثا باسم الوزير ومتحدثا باسم الوزارة، ومستشارا اعلاميا باسم الوزير وهكذا" .
وأوضح أن "هناك توجيها لدى أغلب الوزارات بعدم فتح أبواب المسؤولين الحكوميين والسياسيين أمام الصحفيين، ومقاطعة وإهمال مؤسسات بعينها وتقريب مؤسسات أخرى لكونها تؤثر بشكل كبير أو تتم متابعتها من قبل الشارع العراقي"، مشيراً إلى أنه "في حال البحث الاستقصائي الصحفي، فهذا مستحيل،  فالمسؤول يريد معرفة الجهة التي تدعم المؤسسة الاعلامية التي يعمل فيها الصحفي، وإن كانت دولية فهذه طامة كبرى، والاتهامات بالتبعية جاهزة" .
وروى الزميل عمر عبد اللطيف من القسم السياسي في "الصباح" بعضاً من تفاصيل تجربته المريرة في هذا المجال، وقال: " كانت عملية الحصول على تصريحات من أعضاء مجلس النواب أفضل عندما بدأت العمل مراسلاً للصحيفة في مجلس النواب قبل 11 عاما، إذ كان بإمكان غالبية أعضاء مجلس النواب التصريح في المواضيع السياسية، إلا أن هذا الامر بدأ يتضاءل بعد كل دورة برلمانية" .
وأشار عبد اللطيف إلى عدة أمور، منها أن "هناك نواباً يرغبون بالتصريح فقط لمراسلي التلفزيون، كما أن اجاباتهم على مكالمات الهاتف تقتصر على القناة التي تستضيفهم بمداخلة او برنامج سياسي يستطيع فيه استعراض انجازاته وما فعله في محافظته، ولا يفضل التصريح للصحيفة لكونها أقل شهرة وانتشاراً من شاشات التلفاز، ناهيك عن أن البعض الآخر يرفض التصريح لوسائل الإعلام الحكومية ومنها صحيفة الصباح .
وأضاف: "كما ظهر بعد ذلك (المتحدث الرسمي باسم الكتلة)، الذي تعمل الكتلة على اختزال جميع التصريحات الصحفية به، لتلافي أي مشكلات سياسية قد تحصل في الاعلام من قبل بعض النواب الذين يكشفون ما يحصل في الكواليس او يتحدثون بتفاصيل أكثر عن الاجتماعات، وتكون إجابة هذا الشخص لوسائل الاعلام وفق اهوائه الشخصية، اضافة الى انه يجتهد بعدم الظهور لوسائل الاعلام مع احتفاظه بهذه الصفة دون منحها لغيره" .
وكشف عبد اللطيف عن "وجود مكاتب اعلامية في كل كتلة تجبر الصحفي على نشر البيانات في مؤسسته، مهددة بمقاطعته والمؤسسة في حال عدم النشر، وهذا الامر يمكن أن يلاقي قبولاً لدى وسائل الاعلام المرئية والالكترونية وبعض الصحف التي تحاول الانتفاع من بقاء مراسلها في مجلس النواب، فضلاً عن امكانية استدعاء النواب للكتلة في حال وجود لقاء تلفزيوني، في حين يحاولون عرقلة مندوبي الصحف عن أداء مهامهم بداعي انشغال النائب باجتماع" .
وأكد أن "الدخول الى مجلس النواب له قصة ترتبط بالمؤسسة الاعلامية التي ينتمي لها الصحفي، والتي تضعه رهناً بمزاج القوات الامنية بالموافقة على دخوله المنطقة الخضراء ومجلس النواب من عدمها، اذ تصدر المؤسسة بطاقات يسمح لحاملها بالدخول لاشخاص قد لا يستفيدون منها، في حين تمنع هذا الاصدار عن مراسلين في نفس المؤسسة بداعي انه يمكنه الاستفادة منها في اختصار طريقه من المنزل الى الدائرة".