تركّز أدبيات سياسية على تسويق وجهة نظر مغلوطة تفيد بأنّ (الأنظمة تسقط والدول لا تسقط)، لكن تجارب التاريخ لا تدل على هذا، فمثلما تنهار أنظمة، تتلاشى دول، ومثلما سادت حضارات دهورا، بادت في النهاية، ولم يبقَ منها سوى الاسم على صفحات التاريخ.
ومن سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية حيث الفساد والانقسام، نخر جيشها العظيم الذي احتل العالم، وحيث المجتمع انغمس في الصراع الديني، والعبودية، إلى سقوط الامبراطورية العثمانية التي لم تقدر على مواكبة العصر، إلى الاتحاد السوفيتي الذي استوعب الدول والبلدان، ولم يدرك حاجات الفرد، وجوّع الانسان من أجل الايديولوجية، إلى النظام النازي الذي احتل الدول باسم المجال الحيوي.
لم يسقط النظام في أفغانستان فحسب، بل انهار مشروع أميركي كبير فيها، أنفِق عليه آلاف المليارات من الدولارات طوال نحو العشرين عاما، لفساد عظيم في الجيش النظامي الذي اعتمد على دعم الخارج دون الداخل، بينما غرقت الدولة بجيوش الموظفين الفضائيين، والنخب الفاسدة، التي أفلتت بسرعة الضوء لدى سماع أول طلقة، اطلقتها حركة طالبان.
ويمكن للتاريخ أن يعيد نفسه في أماكن أخرى في العالم، مرشّحة لأن تكون نسخة من كابول.
تسقط الدول حين تغيب العدالة الاجتماعية بين الناس، ويعيش الأغنياء الترف، ويحتكرون الثروة بينما الفقراء يكدون من أجل إسكات أنين البطون.
تنهار الأمم حين يتحول التعليم إلى تجارة خالصة، يفرّخ الشهادات الشكلية، وتتناسل من الجامعات أجيال ضعيفة التعليم.
تُباد الشعوب، حين تأكل ولا تزرع، وتمرض ولا تعرف كيف تصنع الدواء.
ويبدأ تقوّض الدول، حين يتلوث الانسان من الداخل، وتغيب عنه الأخلاق، ويدب في روحه الخوف واليأس، وتتحول الهموم الفردية إلى خيبة جمعية.
تغيب البلاد من خارطة الحضارة حين يُسفّه العقل، وتزدهر الخرافة، التي تكرّس الاستعباد والخضوع.
تنكسر الدولة حين يصبح البارود بديلا للخبز، وحروب الفناء بديلا لسلام البقاء، وحين يتحول كل شيء من أجل مشروع حرب.
تفنى الشعوب، حين تقودها حيتان المال الجشعة، لا أصحاب المشاريع الاقتصادية الوطنية، ومنظرو الاعمار، ومنفذو الخطط التنموية.
تنمحي الأمم من خارطة الحضارة حين تدمن التاريخ، وتنظر إلى الوراء، ويُباع الحاضر من اجل الماضي.
تندثر الشعوب حين تستسلم مثل الدجاج للذباح والدكتاتور، الذي يسلبها حتى نفسها، ثم لا تعرف التعامل مع نعمة الديمقراطية، والحرية، فتغرق في بحر الفوضى.
تتبدّد الدول حين يعد السياسي، الوطن فندقا، فيتحول إلى حقيبة تنقل الأموال والاستثمارات إلى خارج البلاد.
تتفسّخ البلاد حين ينتخب الشعب، المرتشي والجاهل والدجال، والمنافق. تزول الأوطان حين يسود منطق الاقطاعيات، وتتغول الطوائف والأثنيات على الوطن الأم.
تتقوض الأوطان حين يُوسد الأمر إلى غير أهله، لينتظر الجميع ساعة الفناء الحاسمة.
تتهاوى الدول حين تتدجّج النخبة المترفة، بالمال والقوة المسلحة، لتسفيه مطالب الناس، واعتبارهم رعاعا، وضالين، وعملاء.