حكومة أغلبيَّة ولكن..

العراق 2021/11/30
...

سالم مشكور
 
الدعوات التي ظهرت مؤخراً لتشكيل حكومة أغلبيَّة وطنية، سبق  أن انطلقت من كتل سياسية قبيل أغلب الانتخابات السابقة باسم أغلبية سياسية وهي تحمل ذات المضمون. هذه الدعوات تمثل حالة الإحباط من الوضع غير الطبيعي الذي ساد منذ 2003 تحت اسم الديمقراطية التوافقية. 
هذا المصطلح ينطوي على تناقض بين مفردتي العبارة. فالديمقراطية تقوم أساساً على حكم الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقلية. في الدول الأوروبية التي طبقته قبل أن يتحول إلى نظرية سياسية تبناها مفكرون أمثال آرنت ليبهارت، مثل بلجيكا وسويسرا، كان بمثابة حل لحالة التعدد القومي وما ينتج عنه من مخاوف الاستحواذ والاقصاء. تلك الدول تمتعت بمستوى عالٍ من الوعي السياسي والمدني ومع ذلك لم تنج من مساوئ النظام التوافقي الذي كان يؤخر تشكيل الحكومات بعد الانتخابات لأشهر عدة أحياناً كما حدث في بلجيكا قبل سنوات.
في العراق تم تبني هذا النظام كعلاج لهواجس مكونات بعضها خرج من معاناة وتهميش لعقود ويخشى تكرار الماضي، وآخر تقلّص نفوذه ويخشى الثأر والانتقام والاستحواذ من مستبعدي الأمس.
لكن أكثر من ثمانية عشر عاما من الحكم التوافقي كانت كافية لإثبات فشل هذا النظام، الذي تحوّل الى محاصصة قدمت مصالح الفئة والحزب على مصالح الوطن ككل. أسباب الفشل عديدة بينها انخفاض مستوى الوعي السياسي الذي تسبب بتطبيق خاطئ، وتدخل المصالح والمغانم التي فتحت الباب أمام التوسع في المحاصصة لتنزل من مستوى المكونات إلى المستوى الحزبي فباتت الدولة مكبّلة، تنوء بالمناكفات والصراعات التي تعيق البناء.
من سلبيات المحاصصة تحت يافطة التوافق، غياب المعارضة السياسية وبالتالي الديمقراطية المزعومة أحد أركانها المهمة. كيف تتكون معارضة قوية وفاعلة ومنشطة للنظام الديمقراطي بينما أغلب الأحزاب مشاركة في السلطة التنفيذية؟. 
السؤال الان: هل بالإمكان الوصول إلى حكومة أغلبية سياسية تضم ممثلين من جميع المكونات الثلاثة، تقابلها معارضة تشبهها في التركيبة المكوناتية وليست الحزبية؟.
يحتاج هذا الامر إلى ثقافة ديمقراطية، ونظرة احترام للمعارضة على انها جزء أساسي من النظام السياسي، وعدم استغلال السلطة للتضييق عليها والانتقام منها لأسباب تتعلق بخلافات شخصية أو تنافس سلبي 
يضر الوطن ككل.
فضلا عن ذلك، فان الحديث عن حكومة الأغلبية يجري داخل الساحة الشيعية فقط، لكن ماذا عن موقف الساحتين السنيّة والكردية؟ هل سيتماهون مع هذه الدعوات أو انهم يكتفون بالتوافق وتقسيم الحصص داخل ساحاتهم. لو حدث هذا فهل سنكون أمام نظام هجين من توافقية في جزء من ساحته وديمقراطية أغلبية ومعارضة في الجزء الآخر؟.