تطبق العديد من الديمقراطيات العتيدة نظاماً تشريعياً "ثنائياً"، يتكون من غرفتين أو مجلسين تشريعيين، ويتطلب النظام التشريعي الثنائي موافقة أغلبية المجلسين المتزامنة لتمرير أي تشريع، وبرغم إقرار هذا النظام في الدستور العراقي 2005 إلا أن "مجلس الاتحاد" ظل حبراً على ورق، فحضر دستورياً وغاب بشكل واقعي، بسبب "خلل دستوري" واضح وتلكؤ من قبل مجلس النواب بتشريع قانون خاص به، كما أن الرئاسات لم تؤدّ دورها كما ينبغي.
ويحدد دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، السلطة التشريعية في المادة (48) وفق الآتي: " تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد"، وتحدد طبيعة مجلس الاتحاد طبقا للمادة (65) وفق الآتي: "يتم إنشـــاء مجلــسٍ تشـــريعـي يُدعى بـ(مجلس الاتحاد) يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب" .
ويقول رئيس لجنة عمداء القانون في الجامعات العراقية وعميد كلية القانون في جامعة بابل، الدكتور ميري كاظم الخيكاني، في حديث لـ"الصباح": إن "هناك عيبا في الدستور العراقي، فعندما جاء الدستور ونص على وجود (مجلس نواب ومجلس اتحاد)، جاء ونظم أحكام أعضاء مجلس النواب وطريقة وصولهم وتشكيل المجلس وصلاحياته واختصاصاته، بينما أحال الدستور (مجلس الاتحاد) وفق المادة 65 الى أن ينظم ذلك بقانون، وكان من المفترض من المشرع الدستوري تنظيم أحكام مجلس الاتحاد في الدستور وألاّ يترك الى القانون"، مبيناً أن "هذا عيب جوهري في طريقة عدم المساواة في النظر من قبل المشرع عند صياغة الدستور بين مجلس النواب ومجلس الاتحاد" .
ولفت إلى أن "الاطار الثاني متمثل بالمادة 137 من الدستور التي نصت على أن العمل بمجلس الاتحاد يؤجل الى حين صدور قرار من مجلس النواب بأغلبية ثلثين، بعد دورته الانتخابية الاولى التي يعقدها بعد نفاذ الدستور، بمعنى أن لا وجود لمجلس الاتحاد في الدورة الاولى، وبعد ذلك يجب أن يبت ذلك بقانون، والحقيقة أن المحكمة الاتحادية أرسلت قراراً برقم 72 عام 2012 إلى مجلس النواب وأكدت فيه أن (على مجلس النواب إصدار قرار واضح وصريح لتشكيل مجلس الاتحاد وتشديد استيفاء قانون المجلس شروط الشكلية والموضوعية على مستوى من الدقة والوضوح التي تمنع الاجتهادات الفقهية والقضائية، وأن يصدر عن مجلس النواب قرار أو بيان يشير الى توصية واضحة وصريحة بتشريع هذا القانون" .
وأوضح الخيكاني: أن "ما ذكرناه آنفاً خلل يحسب على الدورات الانتخابية التي مضت، فحتى الآن لا يوجد قانون لتنظيم عمل مجلس الاتحاد" . لا يؤثر عدم وجود "مجلس الاتحاد" في شرعية القرارات والقوانين التي تصدر عن الجناح الأول في السلطة التشريعية وهو مجلس النواب، وذلك لعدم وجود نص دستوري يشير الى أن عمل مجلس النواب يتوقف في وجوده أو المصادقة على القوانين أو المشاريع التي تصدر عنه، على موافقة مجلس الاتحاد، ويقول الخيكاني: "لا أثر دستوريا أو قانونيا لوجود مجلس يسمى مجلس الاتحاد في شرعية القوانين والقرارات الصادرة من السلطة التشريعية"، إلا أنه يشير إلى نقطة مهمة تتمثل بأن "هناك مخالفة دستورية واضحة لنص المواد 48 و65 و137 من الدستور التي تشير الى وجوب إصدار قرار أو بيان من مجلس النواب يدعو الى تشريع قانون لمجلس الاتحاد، وهذا تتحمله جميع المؤسسات الدستورية في العراق بما فيها مجلس النواب، والحكومة الممثلة برئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية التي لا يزال الواجب نافذاً عليها في إعداد مشروع أو مقترح قانون لمجلس الاتحاد والمضي بتشريعه، حتى تكتمل مؤسسات الدولة العراقية ولاسيما السلطة التشريعية" .
بدوره، أكد عضو مجلس النواب حسين العقابي في حديث لـ"الصباح": أن "موضوع تشكيل مجلس الاتحاد من المواضيع الخلافية، ولا اعتقد أن تشريع قانونه سيمرر"، ويضيف: أن "وجود مجلس أو غرفة تشريعية ثانية يرهق الموازنة ويثير خلافات أكثر، كما أن مجلس النواب يفي بالغرض في المسائل الاتحادية" .
ويرى العقابي أن "مجلس الاتحاد حلقة زائدة لا حاجة لنا بها"، مؤكدا أنه "مع وجهة نظر الأطراف التي ترفض تأسيس أو تشكيل مؤسسة تشريعية، كما أننا إذا استقرأنا الشارع العراقي لرفض هذا الموضوع". من جانبه، يقول مدير "المركز العراقي للدراسات الستراتيجية" الدكتور غازي فيصل حسين لـ"الصباح": "سبق أن قدم مشروع قانون مجلس الاتحاد من قبل رئيس جمهورية العراق د. فؤاد معصوم، وتمت القراءة الأولى له في جلسة مجلس النواب رقم (18) بتاريخ 22 أيلول 2014، وبقي الموضوع معلقاً كبقية القوانين الخاصة بتطبيق العديد من مواد الدستور، مما أثار العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتعطيل المواد الدستورية المهمة لتحقيق التوازن والاستقرار في النظام السياسي وتطوير الثقافة الديمقراطية البرلمانية والتعددية السياسية والفصل بين السلطات" .
وأضاف أنه "في الدول الفيدرالية، يعد نظام الغرفتين ضرورياً، تفرضه طبيعة النظام السياسي ثنائي التمثيل، على غرار الأنظمة السياسية الفيدرالية في الولايات المتحدة الأميركية وكندا والهند والمملكة الماليزية والمملكة المغربية وغيرها العديد من الدول الاوروبية والآسيوية"، مبيناً أن "نظام الغرفتين هو نسق مؤسّساتي يمارس فيه مجلسان مكونان بطرق مختلفة وظائف برلمانية بحسب شروط يحددها الدستور والقوانين النافذة" .
وتابع: أن "التجربة العراقية خلال السنوات المنصرمة تشير إلى ضرورة الالتزام بالدستور والانتقال إلى الثنائية البرلمانية لتطوير الجانب التشريعي وتوسيع الفرص لتمثيل الأقاليم والمحافظات، لتسوية المشكلات والقضايا الوطنية لتفادي وقوع أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية، وبما يكفل التعاون بين مختلف المؤسسات، وتأكيداً لمبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، لضمان الاستقرار والأمن الوطني العراقي" .