المسؤوليَّة القانونيَّة عن أضرار أبراج الاتصالات

آراء 2021/12/05
...

   القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي 
يعد الهاتف المحمول من أهم التقنيات الحديثة، إذ فتح عهدا جديدا في مجال الاتصالات وأصبحت هذه الأجهزة متعددة الأغراض لها القدرة على إرسال واستقبال الصوت والصورة وتلقي الرسائل والنصوص، نظراً لفوائدها في اختصار المسافات وإجراء المحادثات عن بعد، وأن الزيادة في استخدام هذه الأجهزة ومدى تأثيرها زادا من نصب وانشاء الابراج، وهي أبراج البث الرئيسة والثانوية والتي توضع عادة فوق أسطح البنايات.
 
وعلى الرغم من كل الايجابيات لهذه الوسائل الحديثة في الاتصال الا أنه قد ظهرت مخاوف عدة من كثرة استخدام هذه الاجهزة ومدى تأثيرها على صحة الانسان و سلامته لا سيما أنَّ الدراسات العلمية قد أكدت انبعاث الاشعاعات غير المؤينة عن أجهزة الهواتف الخلوية وأبراج بث خدمتها. وهذه الأشعة كهرو مغناطسية ذات ترددات واطئة تؤدي الى حدوث الأمراض، وتؤثر في صحة الانسان ورافقها الكثير من السلبيات، أهمها تعرض الاشخاص للضرر نتيجة استخدام تلك الوسائل الحديثة ووجودها في التجمعات السكنية، وازاء تلك المخاطر من استخدام أبراج الاتصالات وعدم تصدى القوانين لهذه الحالة بشكل مخصص، خصوصا بخصوص المسؤولية المدنية فإنه يمكن اللجوء الى المبادئ العامة في القانون المدني العراقي لمعالجة الآثار المترتبة على انبعاث تلك الإشعاعات، ومن ذلك اللجوء الى القواعد الخاصة، التي أخذ المشرِّع العراقي في تنظيم المسؤولية المدنية عن الآلات والأشياء والاصابات التي تسببها وإن التلوث الكهرو مغناطسي هو من الأنواع والأشكال الحديثة للتلوث البيئي ينشأ عادة من وجود الموجات الكهرو مغناطسية اللاسلكية، ويطرح الكثير من الاشكاليات بالنسبة للعديد من فروع العلم، سواء كانت طبية او اقتصادية او 
قانونية.
وقد استفحلت ظاهرة انتشار أبراج الاتصالات وأصبحت منظرا مألوفا فوق أسطح المباني، فاصبح نصبها من دون مراعاة أي تدابير او احتياطات، إضافة الى التلوث الذي ينبعث منها مما يستوجب تحديد الطبيعة القانونية، لأبراج الاتصالات وذلك من أجل فتح الطريق أمام كل مضرور، لجبر ما لحقه من ضرر من جراء التعرض للأشعة الكهرو مغناطسية، وكذلك تنظيم هذه المسألة التي باتت تهدد البيئة، وقد أورد المشرِّع العراقي تعريف للإشعاع غير المؤين في التعليمات رقم {1} لسنة 2007، والخاصة بالوقاية من الإشعاعات المؤينة الصادرة عن الابراج الرئيسة والثانوية، بأنه أشعة كهرو مغناطسية تقع على الترددات الوطئة، بدءا من 1 ميغا هرتز فما فوق مثل الاشعة المنطلقة من محطات البث الرئيسة والهوائيات للهواتف النقالة وأشعة الراديو وموجات المايكرويف وغيرها، ولقد اصبح مألوفا مشهد أبراج الهواتف النقالة وهي تغطي أسطح بعض المباني، بعد أن أغرت المبالغ النقدية التي تقدمها الشركات العاملة في مجال الاتصالات لأصحاب هذه المباني، وذلك للسماح لهذه الشركات بنصب تلك الأبراج من دون التفكير في الأضرار التي تسببها. ولقد صاحب انتشار هذه الابراج عدد كبير من الدراسات والابحاث التي تشير الى الأضرار الصحية الناجمة عن هذه المعدات ودورها في تلوث هذا الوسط بالموجات الكهرو مغناطسية، وتلك الاضرار عادة ما تكون أضراراً تراكمية تؤثر في الصحة بمرور الزمن، كما خلق نوعاً من القلق والخطر لدى أغلب الناس وبالذات الساكنون بالقرب منها، لما تشكله من مخاطر على المستوى الشخصي بأن تصيبهم أمراض او على المستوى البيئي، إضافة الى تأثيراتها على المنظر الطبيعي، الامر الذي احتاج الى تنظيمها ووضع قواعد وأسس لها لتكييفها القانوني من أجل التعويض عن الأضرار، التي تنجم 
عنها.
وبخصوص تنظيم تلك الأبراج، فقد أصدر المشرِّع العراقي مجموعة من التعليمات الخاصة بإقامتها وتنظيم انشاء هذه الأبراج والاضرار الناجمة عنها، وكذلك في قانون حماية وتحسين البيئة العراقي بين الاثر البيئي وإن برج الاتصال يعد شيئا غير مادي، صنعه الانسان ومتصل بعقار وتتطلب حراسته عناية خاصة، نظراً لطبيعته حيث يتوجب على الشركة المالكة التحقق من عدم وجود عيب فيه من ناحية نصبه، فضلا عن وجوب اتخاذ جميع الاجراءات الخاصة بتأمين سلامة الأشخاص العاملين والمقيمين بالقرب منه والأساس القانوني للمسؤولية المدنية لشركات الاتصال عن الأضرار، التي تسبب فيها أبراج الاتصال يجد سنده في المادة {231} من القانون المدني العراقي وتشكل المسؤولية عن الأشياء أهم صور المسؤولية التقصيرية على الصعيد القانوني، لما لها من مساس مباشر بضمان سلامة الفرد، وذلك بسبب التوسع في استخدام الآلة، وإنَّ الأثر المترتب على قيام المسؤولية المدنية لحارس أبراج الاتصالات في حالة عدم تنفيذه او تقيده بالقوانين والتعليمات والأنظمة بشأن نصب أبراج الاتصالات وحجم الإشعاع الصادر عنها. وإن المشرِّع العراقي لم يرتب جزاء على مخالفة التعليمات الخاصة بإنشاء الأبراج، ونجد من الضروري وضع قانون لتنظيم عمل الأبراج والمسؤولية القانونية الجزائية والمدنية لأصحاب الأبراج، ووضع قواعد للمسؤولية القانونية تستجيب للطبيعة الخاصة للضرر البيئي الناجم عن أبراج الهواتف 
النقالة.