أحمد عبد الحسين
يبدو أن لا أحد يريد أن يكون معارضاً.
فعلُ المعارضة شاقّ عسيرٌ ولا ينطوي على فوائد آنية. هو كالاستثمار طويل الأجل الذي لا يتقنه ولا يثق بعوائده إلا تاجر مسلّحٌ بوعيٍ وصبرٍ وطول أناة، ويهربُ منه العجولون الذين يريدون ثمناً فورياً لأنهم لا يثقون بالسوقِ ولا يثقون بالبيئة التي يتحركون فيها، وفي آخر الأمر يفقدون الثقة بالزمن ويرزحون تحت وطأة هذا الهاجس المرعب: أن الوقت ضدّهم ويجري في غير صالحهم.
ولذا لا معارضة سياسية لدينا، لأنّ الجميع يريد مكاسب حاضرة يأتي بها العاجل، وينظر بعين الاستخفاف إلى المكاسب المحتملة التي قد يأتي بها الآجل.
غير أن الدولة التي تغيب فيها المعارضة هي دولة كوارث بالضرورة، ولهذا كان الخطّ التصاعديّ للاحتجاجات في العراق ثمرة من ثمار انعدام المعارضة، احتجاجات شباط 2011 التي أسلمت الراية لاحتجاجات 2015، ثم بلغت الذروة في تشرين 2019 نتيجة حتمية لغياب السياسيّ المستثمر الصبور الواعي الذي يكدح لتحصيل فوائد طويلة الأجل.
غياب المعارضة مفضٍ إلى الاحتجاج حتماً، لأنّ الرفض كالنهر الدافق الذي كلما وضعتَ له سدوداً اتخذ له مجرى جديداً وباغتك من حيث لا تحتسب.
وحين تشعر كتلة بشرية أن لها من يمثلها ويتكلم باسمها، يقلّ منسوب غضبها وتضمحلّ نوازع الثأر والعدوان والتخريب لديها، وإلا فإنّ مفاجأة غير سارّة ستكون بانتظارنا عند كل منعطف جديد.
ربما تكون هذه خلاصة سنوات عراقية مكتوبة بالدم والدموع:
الدولة التي لا معارضةَ فيها منذورةٌ لاحتجاج دائم.