بـدائـــل الـهـيـمـنــة

آراء 2021/12/08
...

  حسن جوان                               
مضى زمن شهدنا فيه تفكك أحد ركان هيمنة الدولة التقليدية، التي كانت تحتكر عبرها العديد من الصناعات المؤدية الى احكام القبضة على افراد وجماعات ضمن حدودها. إذ كان الإعلام وصناعة المحتوى العام حكراً مطلقاً على إدارة الدولة لا سيما دولاً ذات حكومات لا تخضع لأنساق زمنها من أنظمة عالمية او مجاورة. لم تختفِ كلياً تلك الدولة التي ما زالت تفرض ذلك النوع من الهيمنة المطلقة، فحولنا العربي ومحيطنا الإقليمي وأنظمة بعينها في أقصى آسيا نجد فيها هذا المرض المزمن من الانكفاء نحو نظرية الرعب من امتلاك المجتمعات منصات للتعبير فردية او جماعية خارج منظومتها البالية. ونحن كأنموذج محدث التحول من نظام مماثل نحو انفتاح نعجز أحيانا عن ضبطه لكننا لا نرتعب حتى كأفراد من تحمّل عبء التحول الناضج نحو المسؤولية الجماعية لتسنم حريتنا. على ان الصناعات المترتبة على هيمنة الدولة على وسائل الاعلام المحاطة بتعمية وكتمان معتاد، او التي تتبع اسلوبا انتقائيا شديد التهميش لما هو خارج سياساتها العامة لا تختلف عن سابقاتها سوى انها تلتف حول مفهوم الحرية والمشاركة من خلال مراوغة الحقيقة التامة باستيراد نصفها الجميل والممكن. كان الإعلام وما زال مسؤولاً عن صناعة الوعي الفردي والجماعي وبلورة السياسات وتبرير الأهداف والحروب والتسويق لكثير من البضائع الذهنية والسلعية. لكن اختراق أنظمة الدول المغلقة عبر تكنولوجيا العالم المعاصر والعمل على توسيع دائرة تداول المعلومات والصور والفيديوات، والقنوات الشخصية، وعشرات أخرى مضافة الى اشكال التواصل والاتصال، أدى ذلك كله الى تفكيك المنظومة السابقة من دون تحريك جندي واحد ولا اصدار منشورات سرية أو دعم ايديولوجيات تتجمع من خلال أحزاب 
سرية. 
لكن مثل هذا الأنموذج المعاصر أدى في ناتجه العرضي لا الى تفكيك الخصوم عولمياً فحسب بل اقترح بدائل جديدة للهيمنة غير المباشرة على الوعي والتبضع، رغم انه ترك الأنظمة المحدودة- التي لم تستوعب خرائط التغيير الكونية في مفاهيم الصناعة والترويج وإدارة الدولة المعاصرة في تخبط مستمر- لا تملك سوى تسلم النصح من خصومها المعلنين. لن تتخلى الدولة الحديثة -كما فعلت القديمة- عن مبدأ الإمساك بأركان التحكم والاستثمار، لكن أدوات مثل هذا التحكم والاستثمار تبدلت بشكل يشبه المستوى بين من يمسك عصا غليظة وبين من يقوم بهجوم سيبراني.