أحمد عبد الحسين
كان حكيماً ذلك المفكر القائل "من يتنكّر للتاريخ محكومٌ بتكراره". ونحن ـ العراقيين ـ تنكّرنا لتاريخنا مديداً فصرنا نستنسخه بين حين وآخر: الأزمات ذات الأزمات والأخطاء ذات الأخطاء، سوى أنّ التاريخ، كما أخبرنا ماركس، يعيد نفسه كمأساة مرة، وكملهاة مرة أخرى.
شغلتنا مصائب الجغرافيا وفخاخها عن تنمية مجساتنا التاريخية، وهذا نقص ندفع ثمنه كلّ آن. ذلك أنَّ المواطنة في أي دولة يتناوب على خلقها مكان وزمان، وطنٌ وتاريخ وطن، وبافتقارنا لأحدهما نكون قد حكمنا على أنفسنا بأن نظلّ أسرى تكرارٍ لا ينقضي.
العراق ـ الوطن أسبقُ وأعمقُ من الدولة، هو الحاضنة الوجدانية لما ستكون عليه دولة حديثة تعاقب عليها احتلال أسفر عن ملكية فجمهوريات مسلّحة فدكتاتورية سوداء وصولاً إلى احتلال آخر أسفر عن ديمقراطية تكافح بدأبٍ لتثبت أنها تستحق اسمها.
في مصر مثلاً يحضر التاريخ بكامل أبهته شاهداً على الوطن أولاً قبل الدولة ومؤسساتها ليضفي على هوية مصر عمقاً راسخاً يجذرها. غير أننا بسبب غيبوبتنا عن التاريخ جعلنا من وطننا مجرد أرض صراع كان دائماً وأبداً صراع الآخرين، أو بالتعبير الإسلاميّ التقليدي: كان العراق مجرد "دار حرب" برغم أنَّ عاصمته اسمها "دار السلام".
اليوم، يحتفل العراق بمئوية الدولة. وهو تقليد محمود شرط أن نضع في أذهاننا أنَّ الوطن العراقيّ ليس ابن هذا القرن الدمويّ وحسب. العراق كان وطناً منذ أوّل لوح طينيّ كتبه عراقيّ على هذا الكوكب الذي لم يكن يحسن القراءة ولا الكتابة.
قرنُ الدولة لحظةٌ واحدة من عمر العراق الذي يهزأ بالقرون.