مفهوم تداول السلطة في الدستور العراقي ومدى تطبيقه في الواقع الراهن؟

آراء 2021/12/13
...

 سالم روضان الموسوي
وردت كلمة (تداول) في الدستور العراقي ثلاث مرات الأولى في الديباجة، التي بينت نهج الدستور تجاه السلطة وعلى وفق الآتي (انتهاج سبل التداول السلمي للسلطة)، كذلك في المادة (6) عندما أكد مسار تولى السلطة عبر التداول وعلى وفق النص الآتي (يتم تداول السلطة سلمياً، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور)، 
   
وفي المادة (19/أولا/أ) عندما منع القوات المسلحة والأمنية من أي دور في تداول السلطة، وهذا المنهج الدستوري الواضح والصريح في تعزيز مبدأ (التداول) يأتي لحماية العملية الديمقراطية من تفرد الأشخاص أو القوى والأحزاب من الهيمنة على 
السلطة،
والتحكم بمقدرات البلد والنكوص نحو الديكتاتورية، لكن الملاحظ على النصوص الدستورية بمجملها بأنها اقرنت كلمة (التداول) بكلمة أخرى وهي (السلطة) وهي مفرد وجمعها (سلطات)، لذلك فإن حكم هذه النصوص الدستورية يمتد إلى جميع السلطات، التي حددها الدستور النافذ وافرد لها باب كامل تحت عنوان السلطات الاتحادية وعددها على سبيل الحصر، وعلى وفق أحكام المادة (47) التي جاء فيها الاتي (تتكون السلطات الاتحادية، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات)، وبذلك النص فإن السلطات التي يتم تداولها سلمياً (التشريعية والتنفيذية والقضائية) والمقصود بمبدأ تداول السلطة هو انتقالها من شخص أو من فريق لآخر، وأفاض في شرحها المختصون في الفقه الدستوري حيث قسموا التداول إلى أنواع اشهرها النوع الأول التداول المطلق وهو انتقال كامل السلطة من شخص أو فريق إلى اخر، والنوع الثاني التداول النسبي وهو انتقال جزء من بعض الأشخاص إلى البعض الآخر ومن ثم بعد حين من الدهر يكتمل التداول وهكذا، لذلك لا بدّ أن يكون التداول في كل السلطات على وفق النص الدستوري ولا يجوز حصر سلطة معينة بيد شخص او فريق معين ويبقى في موقعه إلى ابد الدهر، في الدستور العراقي كانت له عناية خاصة تجاه تداول السلطة في شقها التشريعي والتنفيذي، لان تلك السلطتين بيدها القوة والهيمنة، فالسلطة التشريعية تشرع القوانين التي قد تكون أساسا للدكتاتورية، أما السلطة التنفيذية تملك مقدرات القوة العسكرية، وتركت امر السلطة القضائية إلى القانون الذي يشرعه مجلس النواب، كما وضعت حارساً على حماية الدستور وتطبيق مبادئه، ومنها (تداول السلطة) عندما أوجد القضاء الدستوري المتمثل بالمحكمة الاتحادية العليا، والتداول في السلطة القضائية لا يسري على الاجتهاد القضائي لأن الاجتهاد القضائي عمل مهني احترافي لا يحصل عليه القاضي إلا بعد جهد كبير وخدمة طويلة في القضاء، لأن المهمة جسيمة وجليلة القدر في ذات الوقت، لذلك فان مبدأ التداول يتعلق بإدارة الهيئات القضائية وإدارة شؤون المحاكم والقضاة، ولا يتعدى إلى اجتهادهم القضائي وهذا الاختصاص الحصري لمجلس القضاء الأعلى في العراق وعلى وفق ما ورد في المادة (3) من قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (45) لسنة 2017.
 لذلك فإن تداول إدارة القضاء تخضع لمفهوم التداول السلمي للسلطة الوارد في المادة (6) من الدستور، لأن القضاء إحدى السلطات الثلاث التي تتكون منها السلطات الاتحادية وعلى وفق أحكام المادة (47) من الدستور، ومن هذا النص الدستوري فان الحاجة قائمة إلى إعادة النظر بالنصوص القانونية التي تنظم العمل القضائي على وفق مقتضى الدستور، ولا بدَّ من وضع نصوص قانونية أخرى تنسحب على العمل السياسي من اجل منع الهيمنة على القرار السياسي من قبل مجموعة من الأشخاص او من جهات معينة او فئات محددة تحت أي مسمى كان، ومنها المحاصصة السياسية أو الحكومة التوافقية او غيرها. والجدير بالذكر فإن القضاء الدستوري في العراق كان له موقف مشرف تجاه منع تلك الهيمنة والديكتاتورية التي وردت تحت عنوان المحاصصة وعلى وفق قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد 89/ اتحادية/2019  في 28 /10/ 2019. حيث قضى بعدم دستورية الفقرة (6) من قرار مجلس النواب رقم 44 لسنة 2008 الذي كان ينص على أن توزع المناصب بموجب التحاصص وعلى وفق النص الآتي (تنفيذ المتفق عليه من مطالب القوائم والكتل السياسية وفق استحقاقها في اجهزة الدولة المناصب وكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات والمؤسسات والدرجات الخاصة وعلى مجلس النواب الإسراع في المصادقة على الدرجات الخاص).
ومن خلال ما تقدم لا بدَّ من التأكيد على ضرورة تفعيل المبادئ الدستورية في دستورنا النافذ وتنقية النصوص القانونية من سمات النكوص نحو الديكتاتورية والهيمنة الفردية، وهذه مهمة المختصين من الحقوقيين والمحامين بإقامة الدعاوى ضد تلك النصوص وكذلك مهمة القضاء الدستورية في النظر بتلك التشريعات، كذلك مهمة مجلس النواب بإصدار القوانين التي تطبق تلك المبادئ.
 
 * قاضٍ متقاعد