حلم كلكامش

العراق 2021/12/14
...

أحمد عبد الحسين
 
الاحتفاليةُ المركزية بمئوية الدولة العراقية كانت مفاجئة.
المفاجأة أنها تخففتْ كثيراً من التجهّم الرسميّ، لا بيانات ولا خطابات ولا منبر، بل بكثير من الموسيقى والغناء وعروض الباليه والشعر وعروض الأزياء قدِّم تاريخ العراق قديمه وحديثه في ساعتين. وعند مدخل القاعة كان هناك لوح حلم كلكامش الذي عاد إلى وطنه أخيراً، وتماثيل لرموز الثقافة العراقية ووثائق عن بدايات الصحافة العراقية تم عرضها بطريقة أنيقة.
هذا هو العراق كلّه.
عميقاً، هذا هو ما سيبقى من العراق، لا الانقلابات ولا الثورات ولا الأجساد التي اعتلت الكراسيّ ومُجّدتْ حدّ التأليه، ولا الأجساد التي أُنزلت من الكراسيّ طائعةً أو مسحولة بغضب. كلّ ذلك كان يطفو زمناً على السطح ثم يصبح زَبداً ويذهب جُفاء ويبقى ما هو جوهريّ: الثقافة التي كانت دائماً وأبداً هويّة العراق حين تعصف به رياح هويّات زائفة يستوردها السياسيّ لنا أو تأتي بها عواصف القوميات والمذاهب.
 حلمُ كلكامش شاهد على ذلك. إنه مثالٌ عميق وموحٍ للغاية. كسرة لوح طينيّ مفخور اخترقتْ آلاف السنين ووصلتْ إلينا لتروي لنا حلماً رآه شخص عظيم في منامه آنذاك. الأحلام العظيمة لا تموت.
ما يموت حقاً وينقضي هي الأموال التي ينهبها الناهبون ويراكمون بعضها فوق بعض من دون أن يحدثوا أنفسهم باستثمارها في إدامة هذه المسيرة الحضارية التي هي عمر العراق. فلم نقرأ أو نسمع أن أحداً من الأغنياء الجدد اقتطع من ثروته الكبيرة ليحيي مؤسسة ثقافية أو مشروعاً حضارياً. يأكلون ويشربون ويتنعمون بها زمناً ثم يتسلمها منهم ورثتهم الذين يماثلونهم في ضآلة الأهداف وصغر المطامح.
أحلامهم ضئيلة تافهة ولن تخلد حتى في لوح طينيّ صغير.