أحمد عبد الحسين
الأعمّ الأغلب من شباب العراق يعيشون بيننا لكنّ عيونهم وقلوبهم تتطلع إلى الخارج. عازمون على الهجرة في أول فرصة تسنح، ويحسدون أقرانهم الذين وصلوا إلى هناك واستقرّوا.
ليست الرغبة في ترك الوطن نقصاً في الوطنية. شبابنا يحبّون وطنهم إلى حدِّ الموت، فالذين قضوا على السواتر أمام داعش من جيش وحشد، كالذين وقفوا في ساحات الاحتجاج أمام الرصاص والقذائف، لا يمكن أن يقال عنهم إنهم منقوصو الوطنية. كلاهما "يريد وطناً" لم يجده في وطنه.
شعار ثورة الطلاب في فرنسا 1968 "الحياة في مكان آخر" الذي سيستعيره كونديرا عنواناً لإحدى رواياته، يصدق كثيراً على ما نحن فيه، فالشابّ العراقيّ يشعر أنَّ "الوطن في مكان آخر". هو لا يريد لوطنه الذي يتغنى بنشيده ويحمل رايته المضرجة بدمائه أن يكون هو وثرواته حكراً على بضعة أشخاص متنفذين، ولا يريد لهذا الوطن أن يكون هو ومؤسساته مخترقاً طولاً وعرضاً بمافيات فساد جبّارة، ولا يريد له أن يكون محكوماً بالتغالب وفرض الإرادة بقوة السلاح، ولا يريد بعد كلِّ شيء وطناً يتركه عاطلاً عن العمل بمستقبل مجهول.
من يريد وطناً كهذا؟
العراق الذي في كتاب الوطنية وكتاب التاريخ هو عراق هؤلاء الشبّان الذين يفتشون عنه فلا يجدونه في المؤسسات ولا في الشوارع المغبرة ولا في حراك وتصريحات الساسة.
قُيّض لهؤلاء الشباب أن يعيشوا حلمَ وطنهم في التصدّي للإرهاب وفي الاحتجاج زمناً، عاشوا وطنهم وطلبوه بدمائهم، لكنْ بعد انتهاء المعارك وخلوّ الساحات، عادوا إلى وطن استثمر دمهم لزيادة الحسابات المصرفية لأشخاص هم لا غيرهم خراب الوطن.
لا تلوموا الشباب إذا هاجر، لوموا مَنْ جعل الوطن في مكان آخر.