مطالبات بتأسيس هيأة للكتاب العراقي تساؤلاتٌ عن واقع دور النشر في البلاد؟

ثقافة 2021/12/18
...

 استطلاع: صلاح حسن السيلاوي 
ماذا نريد من دور النشر العراقية، وماذا قدمت للكتاب العراقي؟، هل يشكل الربح المالي همّاً لها على حساب النوع الثقافي؟، كيف تقدم هذه الدور محتوى متميزاً بغياب رقابة إبداعية على نوع وكم الكتاب المطبوع؟، ألسنا بحاجة إلى دعم الدولة لتشكيل هيأة للكتاب توفر نوعاً من الدعم المالي والإبداعي، فضلا عن السعي لتوفير أرضية إحصائية وبحثية لمضامين الكتاب العراقي، ومستويات تأليفه وطبعه وتلقيه؟، ما الذي يقع على الدولة ومؤسساتها الثقافية كوزارة الثقافة والجامعات من مسؤولية تجاه هذا الأمر؟، عن أجوبة لهذه الأسئلة بحثنا مع نخبة متميزة من مثقفينا عبر هذا الاستطلاع.
القاص والروائي ابراهيم سبتي أشار إلى طموح الكاتب بأن يكون كتابه في دائرة اهتمام دور النشر، وان لا يتساوى الكتاب الجيد بمحتواه مع الكتاب الخالي من مقومات الابداع والابتكار والقيمة الادبية، ولفت سبتي إلى أن ما يحدث اليوم في اغلب دور النشر العراقية، هو طبع اي كتاب من دون الاهتمام بمضمونه وتميزه، بحثا عن الارباح التي باتت هي الهدف الاول لها، أما القليل المتبقي من دور النشر العراقية، فتعمد الى فحص الكتاب عن طريق لجان متخصصة ومن ثم تقرر طباعته من عدمها.
وأضاف سبتي قائلا: إن الكم الهائل من الاصدارات التي خلت من الرقابة الابداعية والادبية، أدى الى صعوبة التمييز وإخراج الكتاب الذي يستحق القراءة منها. وكثرة الاصدارات ليست دائما حالة ايجابية بقدر ما يتعلق الامر بالناحية الفنية والمقبولية. وما كان يحدث كل هذا لولا غياب دعم الدولة للكتاب ومؤلفه والتي تتمثل بتشكيل هيأة خاصة للكتاب، على غرار كثير من الدول التي تقوم هيأة عامة للكتاب والنشر بمسك زمام الأمر برمته؛ مما يشجع الكاتب على التأليف والابداع والحضور. وفي العراق لدينا دار الشؤون الثقافية التابعة لوزارة الثقافة هي التي تأخذ على عاتقها طبع الكتاب العراقي رسميا وهي لا تكفي بالطبع لمواكبة ومتابعة الاعداد الكبيرة من الكتب التي تُؤلف سنويا. ويحتاج من وزارة الثقافة والجامعات الرصينة، القيام بمبادرات أكثر لرعاية هذه المهمة الابداعية التي تعكس الوجه المشرق للثقافة العراقية وتقديم المكافآت المجزية لمؤلف الكتاب الجيد الذي تختاره على وفق قواعد المحتوى والمضمون والكتابة الابداعية. لكي لا يضطر الكاتب الى اللجوء لدور الطبع الاهلية التي لا تنظر الى ما يضمه الكتاب في باطنه بل تنظر الى المردود المالي الذي تجنيه منه. وهذا بالطبع لا يشمل جميع الدور فقد تعاملنا مع بعضها وكانت تحيل المخطوطات الى لجان متخصصة لفحصها وتقييمها، وهذا ما نريده لقطع الطريق امام تهافت الاصدارات الخالية من الابداع. انها محنة الكاتب العراقي وهو يبحث دائما عن من يمنح كتابه القيمة المعنوية والمادية وهو حق مشروع بالتأكيد. 
انحدار في مواجهة الشارع الثقافي 
الشاعر والناشر ولاء الصواف ابتدأ رأيه بمطالبته لدور النشر بالارتقاء إلى مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقها، عادّاً إياها الواجهة المصدّرة للإبداع بجميع أنواعه، لافتا إلى أن على دور النشر إدراك أن أهميتها موازية للإبداع في الطباعة والنشر والتوزيع، وأنها الحافظة للتاريخ والتراث والآداب والفنون.
وقال الصواف مبينا: يرحل المبدع ويبقى أثره ماثلاً للعيان، وأرى كناشر أنها قدمت الكثير وما كان بوسعها أن تقدمه ما بخلت به، وأقصد هنا دور النشر الرصينة، غير أن الأمور ساءت في الحاضر المعاش بسبب الانفتاح غير المبرمج على النشر وكثرة الدور التي بدأت بالانقسام الأميبي واللهاث خلف المال لا الإبداع، والمنافسة على سحب الزبائن من دون النظر الى القيمة المعنوية التي يمتلكها الكتاب، لذا نرى وبوضوح انحدار الخط البياني الى مستوى لا يبشر بخير في نتاج ثقافي من غير الممكن إشهاره الى الشارع الثقافي، وعلى دور النشر أن تمارس دور الرقابة على ما ينشر لا بصيغة الرقابة البوليسية التي كانت متعبة سابقاً ولا تأخذ دور الشرطي ولا مقص الرقيب بقدر ما هي عملية مشتركة بين المبدع والناشر وصولا الى منتج ثقافي بمستوى المسؤولية كي يتم تلقيه، كذلك ضعف الحالة المادية جعلت الناشر يعتذر عن شراء حقوق النشر من المؤلف، وكذا المؤلف بدأ يطلب أعداداً قليلة جداً من النسخ وضمن السياق العام لا تعد طبعة، والناشر يركن لهذا الامر من موقع المستضعف بغياب واضح للدعم الحكومي بجميع أشكاله؛ مما يؤثر سلبا على العملية الابداعية وأرى ان الحكومة غير معنية بهذا الأمر ودعمها للثقافة خجول جدا لا يرتقي الى مستوى الثقافة في العراق وهي غير معنية بهذا الشأن ولا تكترث لغياب الابحاث والاحصائيات والنوع والكم ولا طريقة التوزيع أو النشر ولا المساهمة في دعم الكتاب العراقي للمشاركة في المحافل الثقافية العربية والعالمية، في وقت أيضاً لا نلمس أي تعاون مع الجامعات التي تسوّرت على ذاتها ورفعت جدرانا عالية بينها وبين دور النشر سوى بعض التعاملات مع عدد بسيط يعد على الأصابع مع دور ترتبط معها بعلاقة مصلحة وثيقة مفيدة للطرفين. 
النشر العراقي والمرحلة التأسيسية  
الشاعر إيهاب شغيدل قال: يريد أي مبدع أو كاتب من دور النشر أن تنشر أعماله وتسوق نتاجه وتقدم له الدعم المالي والإعلامي، لكن هذه الأحلام والطموحات لا تتناسب مع الواقع في الحالة العراقية، لسبب جدا بسيط وهو أن أغلب النتاج المكتوب لا يخرج من حقل النصوص «شعر- سرد» حتى النقد حتى الآن هو نقد أدبي يدور في فلك النصوص، في حين أن حقول مثل الأنثروبولوجيا والبحوث العلمية والدراسات الثقافية وغيرها هي التي باتت تثير شغف القراء ربما بسبب التخمة النصية التي باتت تترواح بين الخواطر والأوهام حتى ضاع في دهاليزها ما هو جيد، وربما لا أبالغ لو قلت إن صاحب أي دار نشر يفتتح صباحه بعشرات الطلبات عبر النت من أجل طباعة نصوص، حتى صارت دور النشر وبشكل جاد أو ساخر ببعض الأحيان تهزأ مما وصلنا إليه، كما ينبغي الالتفات لبعض الدور التي استقرت على أسماء مكرسة وتبنت طباعة نتاجها الأدبي، فيما ذهبت إلى حقل الترجمة وتوسعت به.
وأضاف شغيدل قائلا: ومن الجانب الآخر ينبغي النظر إلى الكتاب على أنه سلعة مثله مثل أي سلعة أخرى رغم الخصوصية وبعيدا عن الرومانسية، فدور النشر ليست مؤسسات خيرية ولا هي منظمات تحصل على تمويل ودعم حتى تجازف بطباعة كل الشعر والسرد الذي يكتب اليوم، غير ذلك، وعلى الرغم من غياب الدولة والرقيب الثقافي بشكله السلبي والإيجابي كما يرى البعض إلا أن النشر العراقي يمر بمرحلة تأسيسية مذهلة وتوسع كبير في سوق النشر وهناك العديد من دور النشر الناشئة صارت أسماء مميزة ومحترمة وكسبت احترام القارئ، وأظن أن القائمين على هذه الدور هم فاعلون ثقافيون، كل واحد منهم يستحق أن يثمن دوره، ثم ماذا تريد أن تقدم الدولة قبالة حركة النشر والترجمة التي تجري على قدم وساق في السوق العراقي؟، ربما يمكن لوزارة الثقافة مثلا أن توسع أبواب الناشرين في عملية نقل الكتب وتقليل الضرائب بالتواصل مع الجهات المختصة أو جلب مطابع بمواصفات عالمية وجذب الدور العراقية التي تطبع خارج البلد وبأسعار مدعومة، ربما ستكون هذه خطوة سارة لو حصلت.