مآب عامر
أبعدت الحاجة أم حسام، زوجة ابنها عن حوض غسيل الأطباق والصحون (السنك)، واخرجت علبة لمنظف الملابس القاصر(الكلور) الكيميائي من خزانة المطبخ وخلطته مع منظف الصحون والماء الدافئ، كونها لا تستنظف الصحون ولا تشعر بالاطمئنان إذا لم تستخدم منظف (الكلور) هذا تحديدا
يتخذ الكثيرون كما أم حسام قرارات شخصية باستخدام الكلور الخاص بتنظيف الملابس للصحون، وان هناك أسباباً تجدها الحاجة مقنعة لفعل ذلك، إذ تقول إن “النظافة اهم شيء والقليل من هذا وذاك لن يميتنا”.
لم تدر أم حسام أو تعي الأضرار التي تعود عليها من اتباعها لمثل هذه الطرق في التنظيف، فهي تتفاخر باستخدام شتى أنواع المنظفات في العناية بمنزلها.
وعندما تتحدث عن تركيباتها الكيميائية فهي تبدي عدم علمها بملصق التعليمات والاستخدام ومما صنعت، الموضوع على كل عبوة.
الإحساس بالقلق
ان لدى غالبية النساء هوساً خاصاً بالتنظيف، فهن يبتكرن طرقاً بعضها تبدو غريبة وأخرى شديدة الخطورة من أجل الحصول على أفضل النتائج بأقل وقت وتكلفة، كما ان البعض منهن لا يفرقن بين مسألة النظافة ووسائل الحفاظ على الصحة، كما هو الحال مع رغد عادل، (43عاماً)، فهي تعمد إلى تنقيع الخضراوات مثل البطاطا والكرفس والنعناع وغيرها بمسحوق غسيل الملابس. عادل تشعر بضرورة غسل الخضراوات بهذه الطريقة، للتخلص من الملوثات العالقة، لأن كل شيء ملوث، ويزداد إحساسها بالقلق إذا لم تفعل ذلك. وكشفت أنها تهتم بهذا الأمر، وتتساءل دائماً - بما في ذلك عند زيارة الأقارب والمعارف - عن طريقة غسلهم للخضراوات، فإذا كانت مختلفة عن طريقتها المعتادة بغسلها، فهي تنصحهم بها، غير مبالية بتنبيهات البعض إلى المكتوب في الملصقات على هذه العبوات من تعليمات تستدعي القلق من مخاطر الاستخدام
بغير محلها.
أشياء دعائية
وتسويقية
ويبدو أن المشكلة لا تتعلق باتباع وسائل ضارة للحفاظ على الصحة فقط ، فعبير حازم (39عاماً)، تعاني أيضاً من عدم اهتمام والدتها بمحتويات ملصقات عبوات الطعام ومساحيق التنظيف وتعليماتها، فهي تكتفي بقراءة العنوان لاقتنائها. وتقول: والدتي كما الكثيرات من معارفنا، تعتبر قراءة التفاصيل الواردة بملصقات هذه العبوات أو الاشياء دعائية وتسويقية غير مهمة، ويمكن تجاوزها. وتمثل حازم هذه الحالة بعلب السجائر التي نجد على اغلفتها وعلبها تحذيرات بمخاطر الإصابة ببعض الامراض، إلا أن الكثير من الناس يتعاطونها أو يدخنونها في كل مكان.
تكحيل حديثي الولادة
من الامور الأخرى التي يحرص الكثير من النساء على مزاولتها هي تكحيل عيون الطفل المولود حديثاً، وخاصة إذا كانت أنثى، لأن هذه الطريقة تزيد جمالية عيونها وتوسع من حجمها وتصبح رموشها طويلة.
وتقول الحاجة أم حميد، (63عاماً)، أنها اعتادت على تكحيل عيون حديثي الولادة بقلم الكحل من أبناء أولادها وبناتها.
وتسخر الحاجة من نصائح البعض وخاصة وسائل الاعلام وتحذيراتهم من مخاطر تكحيل عيون الأطفال، وترى أنهم لسنوات طويلة تعايشوا مع هذه العادة، ولم يصب أحد من الأطفال بأية خطورة ، لذا فهي لا تقتنع بما يقال من تحذيرات صحية.
تحذيرات ونصائح
وتقول الباحثة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة نهلة الحسني: عندما تعتاد النساء على استخدام طريقة معينة في بعض الافعال والسلوكيات المتوارثة عن الام والجدة والمجتمع، تبدأ بالاعتقاد بأنها من أفضل الطرق ولا يستدعي تغييرها حتى وان كانت هناك تحذيرات.
وهذا ما يحدث دائماً عند الكثير من النساء، إذ يشتكين من عدم قدرتهن على القراءة، وغيرهن من يعللن اغفال التعليمات المدرجة على الملصقات بأنها مكتوبة باللغة الانكليزية أو بخط صغير الحجم لا يمكن رؤيته بسهولة، أو انهن يستخدمن هذا المسحوق حسب توصية هذه الصديقة أو تلك القريبة، وقد يكون استخدامها شائعاً، حسب
الخبيرة.
وتضيف: هناك نساء تفضل استخدام مادة أو مسحوق خاص بتنظيف الاواني أو الملابس لتنظيف الخضراوات والفواكه بشكل شخصي، وعندما تحاول اقناعها بخطورة هذا الفعل، لا تقتنع وتعتبر ان هذه التحذيرات أو النصائح نابعة من عدم الحرص أو بسبب الإهمال، وان شطارة المرأة أو ربة البيت وندرتها تكمن في قدرتها على أن يكون كل شيء في بيتها نظيفاً.
السمات المتوارثة
ورغم حسن النوايا، فالخبيرة تعتقد أن استخدام الأشياء في غير مكانها أو تخصصاتها من دون معرفة تبعات ذلك، يؤدي إلى كوارث منها ما يتعلق بالصحة أو بالحالة النفسية، وكذلك في ضعف المهارات.
وترى الحسني: ان هذه الأمور لا يمكن أن تسيطر عليك وتحرص على تقليدها وممارستها إذا لم تكن ترضيك، لهذا فربة البيت بحاجة دائمة إلى أن تفرق بين السلوكيات والعادات السلبية والايجابية.
وتقول الحسني: إن الكثير من معتقداتنا وسلوكياتنا وأفكارنا موجودة داخل أدمغتنا منذ الصغر، ننتبه لها عندما يسلكها الكبار أمامنا، ونحتفظ بتفاصيلها داخل ادمغتنا، ونعود إليها من دون وعي عندما تسمح الظروف لنا بذلك من خلال موقف أو سلوك.
بمعنى أن الطفلة عادة تنسجم مع سلوك أمها، حيث تتعلم كيفية التصرف والتحرك من خلالها، عبر مشاهدتها ومراقبتها، وعندما تكبر فان ما شاهدته في طفولتها قد يدعم سلوكها ومنها السمات المتوارثة. وتضيف الحسني: من المحتمل أن تكون بعض هذه السلوكيات غير مؤذية وايجابية، ولكن هناك الكثير منها سلبية واتباعها يسبب الكثير من المخاطر أقلها الاجتماعية، التي تعبر عن قلة الوعي. وتشير الباحثة إلى أن الوعي هو المشكلة الأساس في هذا الموضوع، إذ ان هناك أمهات لا يحاولن التعلم أو الاستفادة من تجارب وخبرات غيرها، أو السؤال حتى عن الأسباب والمسببات، بل أن كثيرات يرفضن أية تحذير أو نصيحة لأنها تخالف معتقدات أو عادات توارثنها عن جداتهن وبيئتهن، من منطلق أن كثيرات غيرها قد تعودن عل ممارستها ولم يحدث لهن أية مشكلات أو مخاطر.