تأملاتٌ هراتيَّةٌ

آراء 2021/12/20
...

 رعد أطياف
 
يتمتع الديك الهراتي بمزايا استثنائية تجعل منه ديكاً متفرّداً عن باقي الديكة المعروفة. يتميّز برقبته الطويلة، وملامحه القاسية، وقوة بدنه وساقيه الطويلتين، فضلاً عن السكاكين الطويلة، التي صُمِّمَت على ما يبدو للقتال الضاري بينه وبين الديكة من بني 
جنسه. 
وقد شهدتُ الكثير من هذه النزالات الدامية؛ حيث يُوضع الديكان في حلبات خاصة صُمّمَت خصّيصاً لهذا الشأن، فتكون الغَلَبة لمن يبقى ثابتاً في القتال، أما المغلوب فيلوذ 
بالفرار.
 وكم رأيت هراتياً مسكيناً فُقِئَتْ إحدى عينيه، أو كُسِر أحد جناحيه عن طريق الفنون القتالية الغريبة التي يتمتع بها هذا الديك الهراتي العجيب، حيث يضع رأسه تحت جناح الخصم الآخر ثم يقفز قفزة بلا رحمة ليرفع معها جناح الخصم بقوة، فيتحول جناح الخصم إلى ريشة في مهب 
الريح!. 
يُقال إن هذا الديك جاء من أفغانستان من مدينة هرّات، لذا سُمّي باسمها، وأنا لست متأكداً من هذه المعلومة، لكنّي متأكد من أن بعض الهواة في العراق يهتمون بهذه الطقوس (الهراتية)، وهناك بعض الديكة من يصل سعره الى مبالغ لا يستهان 
بها. 
ولا أدري من صحة فلسفة «الاستنساخ» أو «التقمّص»، التي نجدها في الفلسفات الهندية، ورجوع الإنسان بجسد جديد إلى هذه الدنيا، لكن هذه الفكرة تشّكل إغراءً لا يُقاوم بالنسبة لي، لكونها تؤيد ما أذهب إليه من أن البعض يتقمّص روح الديك الهراتي!، وحياتنا اليومية تتمتع بسجلٍ حافل بخصوص هذا
 الأمر.
والهراتيون- بطرقهم القتالية الماكرة - يتفاضلون في ما بينهم من حيث قوة البأس؛ فمنهم من يتحيّن الفرص ليدسَّ رأسه تحت جناحيك محاولاً كسرها، ومنهم من يتلفّت بعينٍ واحدة ويضعك في مركز الدائرة ثم يطوف عليك ليضعف تركيزك، ويتحيّن الفرصة المواتية لينقضّ عليك وينتف ما تبقى من ريشك!. ومنهم لا يرتاح إلا بعد أن يراك بعين 
واحدة.
ومعروف أن الديكة الهراتية من كلا الجنسين لا يمكنها أن تتقاسم مأوىً واحداً، فالموضوع أخطر من ذلك بكثير!. 
دائما وأبداً يبقى الديك متوحداً مع نفسه، والمسكين ربما لا يحظى بدجاجة من بني جنسه، لكونها هي الاخرى تنسى في بعض الأحيان أنوثتها فتتعارك مع الديك، وهذا يعني، أن الاستنساخ مشمول لكلا الجنسين!. ولا أعلم بالضبط كم جيلا وجيلا تقمّص روح الهراتي؟. 
عن نفسي ، يتولد عندي شعور دائم، وهو سلوتي في خلواتي: إنّي متقمّص روح الحمامة.