رؤية شاملة لتطوير وتحديث القطاع النفطي
العراق
2021/12/21
+A
-A
• جبار علي اللعيبي
وزير النفط السابق
عانى القطاع النفطي العراقي من مشكلات وأزمات كثيرة ، بسبب رئيس هو بيئة وجوده التي تقع في محيط محتدم، من الصراعات والتنافسية العالية وأطماع دول تجد في هذا المنتوج الفريد ما يسيل لعابها، كونه مصدر الطاقة الأول في العالم، اضافة الى اخفاقات العقول التي ادارت عملية انتاجه وتسويقه نتيجة التحديات التي واجهت البيئة العراقية ، والادارات غير العليمة في ادارة العملية النفطية الكبرى التي تتطلب خبرة فنية وقرارا سياسيا حازما ووعيا بمتطلبات استمرار تدفقه من جهة وتطور انتاجه وتسويقه، والتصرف بعائداته للمصلحة الوطنية العليا.
الاستاذ جبار علي اللعيبي وزير النفط السابق، والنائب وعضو لجنة الطاقة البرلمانية السابق ، يضع بين أيدينا دراسة مستفيضة عن واقع العملية الانتاجية النفطية والتحديات التي واجهتها والتي تواجهها ويضع حلولا وتصورات تشكل رؤية مستقبلية لهذا القطاع الذي يعتمد عليه البلد في اقتصاده وحياته بنسبة تزيد على 90 % من اقتصاده الريعي.(الصباح)
يحتل القطاع النفطي أهمية القصوى في تأمين ايرادات البلد وعصب الحياة فيه، فالاقتصاد العراقي يستمد ديمومته من إيرادات هذا القطاع التي تصل لما يزيد على (90 %) من موارد البلد، التي تديم استمرارية وديمومة الحياة لعموم المجتمع.ومازال هذا القطاع الحيوي في حالة عدم الاستقرار، في نواح عديدة، تنعكس على إمكانية نمو موارده وتطور انتاجه نحو واقع يتلاءم والقدرات والامكانات بل والحاجات المتزايدة في المجتمع، ومن خلال معاينة الواقع الانتاجي النفطي الحالي فان أعلى مستوى قد تحقق يصل الى نحو (4.5) ملايين برميل يوميا، وهذا المستوى يعد منخفضا قياسا للاحتياطي الكلي للعراق.
إذا ما قدرنا أن العراق ُحرم لعقود خلت من حصصه الانتاجية في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، نتيجة السياسات الكارثية التي اتبعها النظام السابق والحصارات بدوافع الحروب والقرارات السياسية الخاطئة التي حرمت البلد من ايراداتبأمس الحاجة اليها.
ولابد من الإشارة إلى أن التحول الكبير الذي أوقف عجلة النمو والتقدم في هذا القطاع التي شهدها خلال حقبة السبعينيات، بدأ خلال الحرب العراقية الايرانية (1980 - 1988).
الواقع الحالي للقطاع النفطي
تتوزع العمليات الرئيسة لقطاع النفط في الواقع الحالي:
أ - انتاج وتصدير النفط: وصل اقصى معدل للانتاج العراقي النفطي في الوضع الحالي قرابة (4.5) ملايين برميل يوميا، وسعة التصدير من موانئ الجنوب قرابة (4.3) ملايين برميل / يوم.
ب - تصفية النفط: السعة الحالية لمصافي النفط تقع في حدود (850 - 900) الف برميل/يوم وهو مستوى دون المعدل المطلوب للاستهلاك المحلي الذي يحتاج الى أكثر من مليون برميل يوميا.
ج - استثمار وصناعة الغاز: يحتل هذا الفصل المرتبة الأولى في مسيرة قطاع الطاقة من حيث الحاجة الماسة والمردودات المالية العالية المقترنة به الا انه لم يحظ بالاهتمام واستمرت الإجراءات التنفيذية في مسار الاستثمار والتصنيع في واقع متراجع ومتدن.
د -البنى التحتية الاساسية: هناك مفاصل كثيرة في مجال البنى التحتية لازالت في وضع متدن وفي تراجع مستمر جدا، وأهمها:(مشروع حقن الماء) لدعم اداء المكامن النفطية، وهو مشروع ذو أهمية قصوى ويرتبط بأداء الحفاظ على المكامن النفطية وبالرغم من مرور اكثر من عشر سنوات على قرار تنفيذه الا انه لازال محصوراً في دائرة النقاشات، ومشروع (تطوير ورفع أداء منظومات الخزن والنقل والتصدير)، وهذا المشروع في غاية الاهمية وتكمن اهميته كونه مرتبطا بعمليات الانتاج والتصدير، فعلى الرغم من مرور 12 عاما الا ان إجراءات التنفيذ تسير ببطء شديد.
من أين نبدأ لتفعيل القطاع النفطي؟
أولاً/ قانون النفط والغاز الاتحادي: لابد من إقرار صيغة جديدة لقانون النفط والغاز الاتحادي، بحيث تحظى بدعم المكونات الرئيسة للعملية السياسية، واقرارها بعد استيعاب أهدافها في الفصل الشريعي الاول من دورة البرلمان المقبلة، (علما أن النموذج الحالي أرسل الى البرلمان عام 2014 خضع للقراءة الأولى وصرف النظر عنه لعدم حصول توافق حوله)، ومن شأن هذا القانون أن يقود فاعلية النهوض والأداء الأعلى والتحسن المنشود.
ثانياً/ هيكلة وزارة النفط: أصبح موضوع إعادة هيكلية وتنظيم وزارة النفط ليس خياراً إدارياً بل ضرورة إلزامية في إجراءات وقرارات تطوير قطاع الطاقة بحيث يتوزع عمل الوزارة وتشكيلاتها المهام السبع التالية: الاشراف على خطط شركات التشغيل، رسم ومتابعة ستراتيجيات خطط وإنتاج النفط، الاشراف على عمليات الإنتاج وتصدير النفط واستثمار الغاز والمصافي، وتتولى الوزارة بشكل مباشر رسم ستراتيجية العمل على انتاج (الطاقة النظيفة) والطاقة المتجددة، كما تتولى وزارة النفط تطوير عمليات الاستكشاف من خلال الشراكة مع اختصاصات وبيوت خبرة والعمل على تحقيق الهدف في تحديد الاحتياطي النفطي والغازي في عموم البلد، ومن ضمنها المياه العراقية الإقليمية كما لابد من أن تقوم الوزارة بتطوير شركة التسويق ورفع ادائها، وأن تعمل الوزارة على الخطط الطموحة، في التوسع في مجالات تطوير الكادر النفطي الوطني العراقي ورفع ادائه وامكانياته، اما في مجال العلاقات الخارجية، لابد من أن تبذل جهدا واسعا للعمل على تحسين الاداء وتطوير العلاقات، مع الدول المستوردة للنفط العراقي وضرورة التواصل معها وخلق علاقات تفاهم وشراكة بعيدة المدى.
الرؤى والأفكار المقترحة في الستراتيجية المعجلة لعام 2025
بهدف النهوض في مسار تنمية وتطوير قطاع النفط العراقي والذي أصبح بأمس الحاجة لها لتسهم في ايقاف التردي والتخلف والفساد، أضع ادناه الخطوط العريضة لرؤيتي في تطوير القطاع ضمن خطة معجلة هادفة لعام 2025.
أولا: قطاع النفط الخام
ويتم التطوير فيه بعدة طرق منها، تحقيق معدل انتاج (5،7) ملايين برميل/يوم، انتاج وتصدير ثلاثة انواع من النفوط،خفيف، متوسط، ثقيل، تطوير جميع الحقول النفطية المكتشفة والمؤكدة في عموم العراق ولابد من ان تشمل آليات وأساليب تطوير تلك الحقول، كما يجب المساهمة في بناءبنى تحتية رئيسةفي المحافظات ذات الصلة, وتطوير حقول كركوك للوصول الى طاقة انتاج (1) مليون برميل/ يوم، وكذلك إجراء مراجعة شاملة لعقود جولات التراخيص، مع التركيز على موضوع ضرورة ادخال الشركات الوطنية العراقية في المشاركة الاستثمارية والفنية والادارية.
ثانياً: قطاع الغاز
استثمار كامل للغاز المصاحب للنفط وبسقف زمني لا يتعدى عام 2022، وكذلك استثمار حقول الغاز الحر في الوسط والشمال خلال فترة لا تتعدى العام 2023، فضلاً عن تحقيق الهدف بوضع العراق عالمياً في المرتبة الثالثة او الرابعة في انتاج وتصدير الغاز.
ثالثاً: قطاع التصفية
لابد من تحقيق طاقة تصفية (2) مليون برميل/ يوم منها (1) برميل/ يوم لأغراض التصدير من خلال الجهد الوطني والاستثمار، وتحديث منشآت التصفية الحالية، وإعادة النظر بآليات الانتاج والمنتوجات وهيكلة القطاع، ورفع مصفى الدورة وتحويله الى موقع آخر في أطراف بغداد، وكذلك إنشاء شبكات نقل وتوزيع داخلية تمتد على مساحات في عموم البلد.
رابعاً: الصناعات البتروكيمياوية
من الضرورة القصوى على بلد مثل العراق أن يتخذ إجراءات تنفيذية استثنائية وسريعة في تطوير هذه الصناعة المهمة, وإناطة مشروع الصناعة البتروكيمياوية الى وزارة النفط بدلاً من وزارة الصناعة وذلك لوجود ارتباط كبير لتلك الصناعة مع مفاصل صناعة النفط والغاز.
خامساً: قطاع الاستكشافات
يجب تطوير ودعم وتنشيط القطاع من خلال الجهد الوطني والشراكة مع شركات عالمية معتبرة، وتحقيق اضافات معتبرة الى الاحتياطي النفطي الحالي ووضع الهدف للوصول الى الرقم (200) مليار برميل، وتحقيق اضافات كبيرة في احتياطي الغاز الحر والوصول الى ضعف السقف الحالي، وتنفيذ عمليات استكشاف في المياه الاقليمية العراقية.
سادساً: قطاع التوزيع
لابد من اعادة النظر الشمولية في هيكلة وعمل القطاع، وتحديث آليات الادارة والمنشآت، وتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص.
سابعاً: قطاع التصنيع
النهوض بالقطاع وتطويره وتحديث آليات التصنيع وإدخال التكنولوجيا الجديدة والمتطورة والنهوض بهذا القطاع ضمن خطط وسقف زمني محدد بحيث يتمكن هذا القطاع من تلبية احتياجات القطاع وغيرها بنسبة لا تقل عن 50 % من اجمالي الاحتياجات من المكامن والمعدات والانابيب والصمامات وضمن رؤى 2025.
ثامناً: قطاع التسويق
من المهم جدا النهوض بتطوير وتحديث عمل قطاع التسويق بحيث يتماشى مع متغيرات الاسواق العالمية وتحديات المضاربات وتذبذب أسعار النفط الخام والمنتجات ويكون ذلك من خلال خلق جيل جديد متطور وقادر ومتمرس، والسعي الحقيقي في ايجاد اسواق متنوعة ومتعددة للنفط الخام والمنتجات النفطية.
تاسعاً: قطاع نقل النفط الخام والمنتجات
يجب النهوض وتطوير شركة الناقلات، ضرورة امتلاك الشركة لاسطول نقل كبير لنقل النفط العراقي من خلال مواردها الذاتية او الدخول في شراكات، تمكين الشركة من العمل في اعالي المحيطات وانشاء خزانات أو ناقلات نفط عملاقة في اعالي البحار من اجل التسويق بطريقة (ON SOOT)حيث فيها مردودات مالية عالية.
عاشراً: البنى التحتية الرئيسة
مشروع حقن الماء مكامن النفط (ماء البحر) هو مشروع في غاية الاهمية تأخر اكثر من عشرة اعوام، توسيع وتطوير موانئ التصدير في الجنوب وصولاً الى طاقة (6)ملايين برميل/ يوم، كذلك إعادة تأهيل منظومات وشبكات التصدير على البحر الأبيض المتوسط سواء من خلال تركيا او سوريا او كلاهما، وانشاء شبكة ومنظومات انابيب نقل المنتوجات النفطية لتغطي عموم العراق وتقليص الاعتماد على النقل البري، بناء وتوسيع مستودعات خزن النفط في الفاو لتصل الى طاقة (25) مليون برميل وأكثر.
أحد عشر: اشراك دور القطاع الخاص
في النهوض
في مسار تطوير قطاع الطاقة,لابد من ان تراعي الدولة مسألة الشراكة بين القطاع النفطي الحكومي والقطاع الخاص المساهم برأس مال استثماري ويشارك في المشاريع التي يتفق بشأنها.
مواجهة التحديات
في مجال الطاقة
برزت خلال السنوات الثلاث الماضية تحديات كثيرة ناتجة عن قوانين حماية البيئة وتعاظم وضرورات الحد من انبعاث الكاربون وتلوث البيئة الذي دعا الى استصدار قوانين دولية اثرت في صناعة الطاقة عموما، وتستدعي هذه المتغيرات الكبيرة والمتسارعة ان
يعمل المختصون في العراق على دراستها وادراك اهمية استخدام
الوسائل الجديدة في الطاقة النظيفة، وتخصيص فروع معرفية
جامعية ومراكز ابحاث لهذا السبيل.
مقومات وسبل تعظيم الموارد
من أجل تعظيم الموارد المالية دون الاضطرار الى بيع النفط بطريقة (الحجزمقدما) المراد اعتماده وترويجه بسبب الضيق المالي:
المجال الأول: تعظيم تصدير المنتجات النفطية ومنها النفط الاسود ومادة النفثا،وإشراك القطاع الخاص (محلية واجنبية) في تفعيل هذا المجال الذي يجلب إيرادات عالية، واستبدال قدر المستطاع استخدام هذا النوع في محطات الكهرباء وتعويضها بالنفط الخام، وتقليص كميات معامل الاكسدة عبر السعي لتحويل معامل الطابوق وغيرها الى الغاز كوقود وحسب الخطة التي وضعت عام2017 بدلا من النفط الاسود للاستفادة منه في التصدير وتوفير العملة الصعبة، وزيادة الطاقة التصديرية لحقل القيثارة واعتباره نفطا اسود عبر زيادة معدلات تصدير مادة (النفثا) المهمة في الصناعة النفطية وإشراك القطاع الخاص المحلي والاجنبي في عمليات تصدير تلك المادة, علماً ان معدلات وكميات التصدير لهذه المنتجات لا تخضع الى محددات واتفاق تخصص (أوبك).
المجال الثاني: تقليص استيراد العراق للمنتجات النفطية، فمن غير المنطقي والاقتصادي في بلد منتج عالمي للنفط يقوم او يلجأ للاستيراد،ويتحقق ذلك من خلال زيادة مساهمة القطاع الخاص وإشراكه بضوابط علمية محددة في انتاج البنزين المحسن مع وضع أسس ومعايير لضمان أرباح وزارتي النفط والمالية، وتقليص الاعتماد على زيت الغاز المستورد في محطات الكهرباء واستخدام النفط الخام بدلا منه، وكذلك تنفيذ خطة عاجلة وسريعة في استثمار الغاز من خلال خطة تأجير محطات ومنشآت المعالجة، كما يجب تبني خطة عمل معجلّة في زيادة وتطوير المنتجات النفطية في المصافي العاملة مثل مشتقات الدهون وغيرها التي تستنزف اموالاً كبيرة بحكم الاستخدام اليومي وحاجة الاستهلاك.