توفير فرص العمل يحدّ من الفقر والإرهاب

اقتصادية 2019/03/10
...

د.محمد رياض حمزة
 
 
تختلف سياسات تشغيل القوى العاملة (الشغيلة) ونسب المُعطّل منها البطالة ( Unemployment) إلى مجموع الطبقة العاملة حسب النظم الاقتصادية. ففي نظم الاقتصاد الاشتراكي يتحقق التشغيل الكامل للمواطنين من الشغيلة في سن العمل. 
أما في نظم الاقتصاد الرأسمالي فإن عددا من الشغيلة يبقون معطّلين عن العمل بنسب تختلف حسب الدورات الاقتصادية للرأسمالية فتتراجع نسب البطالة عند استدامة نمو الانشطة الاقتصادية وتتصاعد عند الركود او انكماش الاقتصاد. إلّا ان التشغيل الكامل المتحقق في نظم الاقتصادات الاشتراكية ينتج عنه ما يعرف بالبطالة المقنعة  (Disguised Unemployment). التي تعرف بتوظيف عدد أكبر من الحاجة الفعلية لإنجاز العمل.
 
ومن المسلمات التي تؤكدها دراسات السلوك الاجتماعي أن البطالة المسبب للفقر والفقر المسبب للانحراف واللجوء  للعنف والارهاب، فالانسان القادر على العمل والمعطّل، لابد ان يسلك الطريق الذي يؤمن عيشه ولابد ان يتكسب بالجريمة. 
ويعتبر توفير فرص العمل للسكان في سن العمل ( 18 سنة إلى 65 سنة) في معظم دول العالم من بين اولويات الحكومات. لذلك واجهت منظومة الدول الاشتراكية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ومنظومة دول شرق اوروبّا الاشتراكية قبل وبعد عام 1991 مشكلة توفير فرص العمل للطبقة العاملة في تلك الدول بعد ان بدأت بالتحول إلى نظم السوق التي تشترط هدف الربح في اي نشاط اقتصادي وفق مبدأ "اعلى إنتاجية لأقل الكلف بمدخلات الانتاج، فتضاعفت نسب البطالة في تلك الدول، تجدر الاشارة إلى أن البطالة المقنعة موجودة في معظم دول العالم وتحديدا في القطاع الحكومي، أما في الدول ذات الاقتصاد المتعثر (التي غالبا ما تسمى بالدول النامية) فنجد في أنشطة العمل والتشغيل وجود حالتي البطالة والبطالة المقنعة في آن واحد، ولعل واقع تنمية وتشغيل القوى العاملة في العراق أوضح مثالا على وجود الحالتين
 متزامنتين.
واقع تشغيل القوى العاملة في العراق: أعلن الجهاز المركزي للإحصاء في ( 23 أب 2018)،أن نسبة البطالة بين الشباب في العراق بلغت 22.6 بالمئة .وقال الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط إن "نسبة البطالة بين الشباب للفئة العمرية بين 15 الى 29 سنة بلغت 22.6 بالمئة بارتفاع عن المعدل الوطني بلغ 74 بالمئة"، مشيرا الى ان "البطالة لدى الذكور لهذه الفئة بلغت 18.1 بالمئة ، في حين بلغت البطالة لدى الاناث نسبة 56.3 بالمئة .وإن "نسبة معدلات مشاركة الشباب في القوى العاملة قد بلغت 36.1 بالمئة "، مبينا أن "الذكور الشباب شكلوا نسبة 61.6 بالمئة مقابل 8.8 بالمئة للإناث الشابات".      
ويشير  تقرير (  UNDPـــ العراق ) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق / 2016 إلى تضاعف عدد سكان العراق بين عامي 1970 و 2007. ويبلغ العدد حاليا 34  مليوناً، بينهم 5 ملايين في إقليم كردستان.  ويعد العراق من أكثر دول العالم شباباً، حيث أنّ نحو 50  بالمئة من السكان تحت سن 19 عاماً .
وأعلن صندوق النقد الدولي في أيار 2018 ان معدل بطالة الشباب في العراق تبلغ اكثر من 40 بالمئة . وتفاقمت مشكلة البطالة في العراق خلال السنوات الاخيرة بسبب غياب الخطط الحكومية التي تهدف الى توفير فرص عمل للعاطلين من خلال تفعيل القطاع الخاص، كما يتخرج سنويا من الجامعات الاف الطلاب دون ان يجدوا وظائف لهم في الدولة مما يجعل نسبة البطالة بارتفاع مستمر وسط غياب حلول والمعالجات(  شبكة رووداو الاعلامية)
ونلاحظ أن الفرق بين نسبة البطالة كما اعلنها  الجهاز المركزي للإحصاء وبين النسبة التي اعلنها صندوق النقد الدولي التي تقترب من الضعف رغم ان الاعلانين جاءا في عام 2018.. . فالمجتمع العراقي اليوم أبعد ما يكون عن متطلبات إجراء المسوحات الميدانية على اسس علمية  والمجتمع الإحصائي المثالي .
بعد ارتباك أركان  دولة العراق إثر الإحتلال من قبل القوات الأميركية والبريطانية عام 2003 ـــ والعراق قبل ذلك التاريخ كان شبه منهار بسبب ثلاثة حروب وحصار غير مسبوق ـــ إزاء ذلك فالمتوقع أن تُسجل نسبُ أعلى من تلك التي تُذكر للفقر وللبطالة والبطالة المقنعة، بعد 14 تموز 1958 بدأ التحوّل الى التخطيط المركزي للاقتصاد العراقي .
 وبالرغم من حالة عدم الاستقرار التي صاحبت حكم الراحل المغدور عبد الكريم قاسم إلاّ انها كانت خمسة أعوام واعدة بمنجزات كانت ستمهد، ربما، لإقتصاد مستدام النمو على اسس التخطيط المركزي. كما شهدت تلك الاعوام هجرة كثيفة لسكان الريف إلى المدن، الأمر الذي نتجت عنه أعباء كبيرة على العهد القاسمي تمثلت بتوفير فرص العمل لأعداد متزايدة من السكان في سن العمل في الانشطة غير الزراعية.
الأمر الذي تسبب بتراجع القطاع الزراعي انهيار نظام الإقطاع في الارياف. وكذلك أنكمش القطاع الخاص في المدن إلا من الأنشطة الصغيرة والمتوسطة. هذا الواقع تواصل يتطوّر من سيئ إلى أسوأ على مدى العقود الستة اللاحقة وإلى الآن. فتوفير فرص العمل صار حصرا من واجب الحكومات التي توالت والتي لم يكن ساستها على دراية او فهما للتخطيط المركزي، رغم وجود وزارة للتخطيط، فتكرست فوضى تشغيل القوى العاملة بشيوع الترهل الاداري أو البطالة المقنعة
 والبطالة.
رب معترض يقول أن الأعوام بين 1974 و 1979 ( أعوام ماسمي بالتنمية الانفجارية) تحقق التشغيل الكامل للقوى العاملة العراقية. بل  واحتجنا إلى ما وصل إلى بضعة ملايين من غير العراقيين استقدموا عشوائيا. نعم تحقق ذلك، ألا أن الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية كلها آنذاك أُتخمت بالموظفين (البطالة المقنعة) دون الحاجة الفعلية. 
وقتها كانت عوائد النفط التي تراكمت فمكّنَت الحكومة من تمويل التوسع بالتوظيف واستقدام غير العراقيين.. ثم اتجهت مئات المليارات من الدولارات للتسليح والتخطيط للحرب.وبدأ مسلسل الانهيار اقتصادا ومجتمعا. 
فواقع مسؤولية الحكومة عن توفير فرص العمل  بقيت تتوارث إلى اليوم، فبالرغم من توجه نظام الحكم بعد 2003 إلى "النيّة" في التحول إلى نظام إقتصاد السوق. إلا أن 16 عاما من الفوضى السياسية تسببت بفقر وبطالة العراقيين في سن العمل، ذلك بالتزامن مع وجود حالة الترهل الإداري (البطالة المقنعة) في الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية كافة، كما يقدر عدد العاملين في المؤسسات الحكومية بـ (4.5) ملايين
 مواطن. 
أما مصادر توفير فرص العمل المتوقعة وتشغيل القوى العاملة العراقية حسب القطاعات وأنشطة الاقتصاد، فإن من غير المتوقع التطلّع للاستثمار الوطني أو ألأجنبي في معظم القطاعات، استثناء قطاع النفط والغاز، أن يوفر فرص
 العمل.
 فالمستثمرون  ليسوا فاعلي خير أو جمعيات خيرية، فكل هدفه تعظيم الربح والتطلّع إلى بيئة مستقرة سياسيا مع ضمانات قانونية لتأمين رؤوس الأموال المستثمرة
 مع أرباحها وتيسير تحويلها. 
وإن من غير المتوقع إقدام الكثير من الاستثمارات إلى العراق بالمنظور القريب في ضوء التناقضات السياسية والواقع الامني ووجود الفساد، إذن فالقطاع الحكومي سيبقى هو المسؤول عن توفير فرص وتشغيل القوى العاملة في المرحلة الراهنة وإلى ماشاء الله وتحقق الاستقرار
 السياسي.
ذُكر في أحدى جلسات مجلس النواب " أن في العراق أكثر من 250 ألف عامل أجنبي، المؤكد أن معظم من ذُكر من غير العراقيين يعملون في شركات النفط الأجنبية. وكان يجب على المفاوض من الجانب العراقي وقت توقيع عقود واتفاقات الاستثمارات النفطية مع  الشركات الأجنبية أن يرفض استقدام أجانب للعمل في أنشطة الإنتاج النفطي ويصر على توفير فرص العمل تلك حكرا على العراقيين. 
فالعراق يزخر بالقوى العاملة الوطنية المتخصصة في في هذا الميدان الرحب بتوفير المزيد من فرص العمل، وقد تتذرع شركات النفط الأجنبية بحاجتها الانية للملاكات الفنية للبدء في عملها، وأيضا أنها تتوخى الإلتزام والإنتاجية بالعاملين في اشطتها، وقد لا يتوفر ذلك بالقوى العاملة العراقية، وكان تبادر وزارة النفط بتأسيس بنك معلومات وإحصاء وحصر المتوفر من الملاكات العراقية في التخصصات الهندسية والفنية في الداخل واستقدام منهم في الخارج وتهيئتها وتدريبها لتكون جاهزة للعمل في الحقول أو في الجهد الهندسي ـــ اللوجستي
 المساند.
وبهدف إحلال القوى العاملة الأجنبية في العراق يجب التنسيق بين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مع أي وزارة أو مؤسسة أو هيئة عراقية اخرى تعمل على توفير فرص العمل وفي مقدمتها وزارة النفط لإعداد وتأهيل وتدريب الشباب من العراقيين وتشغيلهم في أي موقع عمل تقني ــ حرفي أو مكتبي على أن فرصة العمل يعين لها ويشغلها العامل إلتزاما وإنتاجية وبالأجر المكافئ للتخصص والتأهيل والخبرة وفق " قاعدة عيّن العامل الجاد واستبدل غير الملتزم" تعرف هذه القاعدة في علم الإدارة بالإنكَليزية (Hire and Fire).. وتطبيقا لهذه القاعدة يمكن ضمان الاستقرار الوظيفي .