أحمد عبد الحسين
تغيّرتْ ملامح العملية السياسية كما عرفناها منذ 2003، تماماً، إلى الحد الذي يمكننا القول فيه إنّ تلك العملية تحتضر ونحن بانتظار نشوء سمات جديدة لعملية سياسية جديدة هي الأخرى.كانت المحاصصة محركاً قوياً للفعل السياسيّ العراقيّ، بل هي المحرّك الأقوى، وقد أنتج هذا المحرّك ركاماً من الخسائر المتلاحقة اقتصادياً وسياسياً وحتى أخلاقياً، لأنّ استمراء الفساد والتعاطي معه بتلقائية أشيع باعتباره ثقافة العهد الجديد، وإذا كان الناس قديماً على دين ملوكهم فيصحّ أيضاً القول إن مواطني اليوم على دين ساستهم.
العملية السياسيّة القديمة تحتضر. هذا خبر جيّد لكلّ من يريد للعراق أن يستعيد عافيته، لكنّ ملامح التجديد لم تبدُ بعدُ وليس في الأفق ما يمكن أن يرسم قسمات واضحة له.
الأزمة بتلخيص إنطونيو غرامشي هي الوضعية التي يكون فيها القديم مات، والجديد لم يولد بعدُ، وإذاً فنحنُ في صميم الأزمة ومركزها.
حين قال سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني يوماً إنّ “ما بعد تشرين لن يكون كما قبلها أبداً”، لم يلتقط كثيرون هذه الرسالة، لكنّ الحصيف من المراقبين عرف أنّ تلك الأيام الملأى بالدمع والدم كشفتْ حساسية جديدة مختلفة مغايرة لدى الجيل الجديد الذي وضع بينه وبين كلّ ما أوصل العراق لمحنته جداراً من نار.
ومنذ أن أتتْ نتائج الانتخابات صادمةً، يريد فرسان العملية السياسية الكبار إعادة الروح لها دون جدوى. شيءٌ ما أساسيّ تغيّر مرة واحدة وإلى الأبد. وهذا الشيء لا يتعلّق بالفعل السياسيّ بل بقناعاتٍ ماتتْ وأخرى جديدة ترسختْ في نفوس عامّة الناس.
من يصرّ على التمسك بالنهج القديم الذي أورثنا الخراب، كمن يصرف وقته في تعطير جثةٍ لئلا تفضحه رائحتها.