المخدراتُ.. ممراتٌ ومعالجات

آراء 2022/01/04
...

  عبدالزهرة محمد الهنداوي
 
في الاسبوع الماضي، لفت نظري، الى خبر يفيد بتمكن جهاز الامن الوطني، من الإطاحة برجل وبحوزته اثني عشر كيلو غراما من المخدرات، واللافت في تتمة الخبر، أن هذا التاجر، كان كبير السن، وقد أطال لحيته البيضاء، مرتديا الزي العربي (العباءة والعقال)، مستغلا احترام السيطرات لهذه الهيأة ليقوم بنقل ما بحوزته من مخدرات.
ومن المؤكد أن عملية مثل هذه تستحق معها أن نوجه التحية لجهاز الأمن الوطني، اذ يشهد عمله واداؤه تطورا نوعيا ملموسا، لا سيما في مجال مكافحة المخدرات، التي باتت تمثل عدوا لدودا للأمن المجتمعي، وتهديدا خطيرا لشريحة الشباب، اذ تشير المؤشرات، الى تنامي ظاهرة الإدمان على المخدرات بنحو كبير بين هذه الشريحة، معها تحول العراق، من ممر الى مستقر، لهذه الآفة الخطيرة، وباتت تشهد رواجا واسعا، في الكثير من المناطق، على مستوى البلد، ولأنها تجارة مغرية، وتدر أموالاً طائلة، فقد أصبحت لدينا مافيات مخيفة، مبثوثة بين ثنايا المجتمع، بلحاظ عملية القبض على التاجر الذي تحدثنا عنه في مستهل الكلام، فضلا عن الكثير من العمليات التي يتم خلالها ضبط مهربين ومتاجرين ومتعاطين لأنواع مختلفة من المخدرات.
والسؤال الأهم في هذا الملف الخطير، هو لماذا انتشرت المخدرات في بلدنا؟، وهذا السؤال يستبطن أسئلةً اخرى، لماذا انجرف الشباب في هذه الهاوية؟ هل هي عملية تقليد لغيرهم؟، أم هو هروب من الواقع المر الذي يعانيه هؤلاء الشباب؟، وكيف نقيّم الاجراءات المُتخذة بحق المتاجرين والمتعاطين؟!
وسوى ذلك الكثير من الاسئلة، التي قد تكون اجاباتها اكثر قسوة منها، اذ لا أظن أنَّ القضية لها علاقة بالتقليد، فهي لا تشبه تعاطي {الارگيلة}، وإن كانت هذه أحد المسارات التي تسلكها المخدرات، وصولا الى الشباب. إذاً القضية ترتبط بالواقع الصعب الذي يواجهه الكثير من الشباب، فيتصورون أنهم بتعاطيهم المخدرات، يتخلصون من واقعهم او ينتصرون عليه، من دون ان يعلموا، او بل لعلهم على علم أنهم بفعلهم هذا يكونون، كالمستجير من الرمضاء بالنار، والاولى اهون من الثانية.
وازاء خطر كهذا، ماذا نحن فاعلون؟
إنَّ عمليات المطاردة والاطاحة بالتجار، والقاء القبض على المتعاطين، امر في منتهى الاهمية، فهو يسهم في تجفيف منابع هذا الخطر، ولكن ذلك وحده ليس بكافٍ، اذ ستبقى الجهات المعنية بهذه العملية، "تركض والعشا خباز" طالما لم نجد حلولا ومعالجات جذرية، تنتشل الشباب مما هم فيه، بدءا من عملية التعامل مع المتعاطي، الذي لا ينبغي عدّه مجرما، وزجه في السجون، انما علينا أن نتعامل معه بوصفه مريضا، بحاجة الى مصحّة نفسية وجسدية، من أجل تأهيله واعادته الى المجتمع عضوا ايجابيا نافعا، وهنا فإنَّ الأمر يتطلب، ايجاد فرص العمل المناسبة، التي توفر العيش الكريم لجميع الشباب، وبذلك نستطيع إغلاق الممرات الخاصة بتجارة المخدرات، وعند ذاك لن يجد تجارها، مَن يشتري بضاعتهم، فيذهبون بعيدا للبحث عن ممرات ومسارات جديدة لبيع سمومهم.