لحى وشوارب

العراق 2022/01/05
...

أحمد عبد الحسين
أُسِّست الدولة العراقية بغياب تامّ للمرأة. لم تنفع الاستثناءات النادرة كتوزير نزيهة الدليمي في الجمهورية الأولى في تغيير صورة العراق بوصفه جمهورية بشوارب كثّة.
حقبة البعث حقبة ازدهار الشوارب وتمجيد العنف والغلظة والمراجل والشمخرة الفارغة وحبّ السلاح ورائحة البارود والعنتريات الرجولية التي أسلمتنا إلى خرابٍ عميمٍ وثبّتتْ صورةً تقليديةً للمرأة العراقية ملؤها المسكنة والذلّ: عباءة سوداء تحتها جسد هزيل يبكي دائماً على رجل غائب، ميّت أو مهاجر.
 العشائريّة تخالط كلّ شيء عندنا، كانتْ شغالة بقوّةٍ زمن المدّ القوميّ "العلمانيّ"، وفاعلة باقتدار الآن زمن المدّ الإسلاميّ، فهي جوهر حراكنا الاجتماعيّ، وبعونٍ من هذه العشائرية صيغتْ صورة المرأة وترسّختْ، ومُنعتْ كلّ محاولة لتغييرها.
كلام كثير يُلاك في الخطابين الرسميّ والدينيّ ـ وأغلبه إنشاء مضحك ـ عن أهمية المرأة، نصف المجتمع، الأخت والزوجة والأمّ إلى نهاية الموشّح الهزيل، لا يفعل شيئاً في الحقيقة سوى إركاسنا في حقيقتنا التي لا سبيل إلى إنكارها وهي أننا أمة من الذكور نحتقر المرأة ونحن نفتل شواربنا، وحين أصابنا مسّ إيمانيّ بقينا نحتقرها ونحن نمسّد لحانا.
لكنّ الرحمانية تأتي من المستقبل لا من الماضي. في الحقيقة لا شيء يأتي من الماضي إلا العطب. مشهد فتياتنا في المواعيد الكبرى كالاحتجاجات ومواقفهنّ في معارك التحرير، وإبداعاتهنّ في مختلف العلوم والفنون والآداب، ضرباتٌ قويةٌ على هذا الحائط المغبرّ الذي يحجز المرأة عن الحياة ويحجزنا عن رؤية عراقٍ سويٍّ يكون فيه الناس كما خلقهم الله: أنثى وذكرا.
نحن أهل الشوارب واللحى أسرى صورتنا عن المرأة. وإذا تحررتْ هي تحررنا نحن.