في ظلِّ غياب العقل السياسي النقدي

آراء 2022/01/10
...

 رزاق عداي
 
الميزة العظمى في الفكر الغربي هي- النقد- كآلية يشتغل عليها في شتى المجالات، وتاريخه القريب نسبيا والمدون  هو الإصلاح الديني في اوروبا القرون الوسطى هو ما  يؤكد ذلك، وهي الحقبة المعرفية الأهم في مسيرة التقدم الإنساني قاطبة كونها انعطافة حادة في التاريخ، كانت اعتمدت على نقد الخطاب الديني، على مستوى الخطاب والممارسة، ثم انتقلت هذه الاداة الى الفكر التنويري الذي مجد العقل وكنس الخرافة والأسطورة في التوجه الى الظواهر ودراستها، ثم تبناه بعد حين الفلاسفة الاوربيون، منذ ان تقدمت مفردة - نقد- اغلب مؤلفات الفيلسوف الالماني  (ايمانويل كانت)، ثم تبناها بقوة كارل ماركس، اذ انطلاقا منه ترسخ المنهج النقدي فاصبح اشبه بالتقليد المتأصل في الفكر الغربي، فكتابه الاساسي (راس المال)، بقدر ما هو قراءة للقوانين الفاعلة للنظام الراسمالي هو ايضا نقد للجانب الاستغلالي فيه.ومشروع الحداثة الغربية كان يتمحور على فكرة النقد، بمفهوم يعتقد بصرامة ومتمفصل مع فكرة ان التاريخ في جدله العام انما هو حركة الى الامام، بالارتكاز على العقل. وفي بداية القرن العشرين كانت فكرة التقدم هي المهيمنة القوية على الفكر والفلسفة، رغم ظهور تيارات موازية تخالف وتتضاد مع منطلقات العقل والحداثة.وانتقل مفهوم النقد ليتحول الى قاعدة سلوك في الميادين العملية، خصوصا عند تفاقم الازمات، الاقتصادية والسياسية، حتى ان هذه الازمات وظفت كمنطلقات ومثابات لتحقيق التطور في رؤية تتفحص التجارب الماضية، عبر نقدها لايجاد بدائل تدرس ظاهرة الخطأ، ليستبدل بجديد متقدم. فمثلا تجربة الاتحاد السوفيتي السابق، بعد تفككه، كانت مادة حيوية لمؤتمرات وندوات، وموضوعة غاية بالاهمية لمراكز دراسات وبحوث، لم تنقطع لغاية اليوم، تهدف الى دراسة التجربة اثناء الممارسة، والبحث عن الاخطاء التي شابتها، لبلوغ الدرس من هذه التجربة الضخمة، للوصول الى بعض الحقائق في الحياة والتاريخ. الذي اريد الوصول اليه ان استخدام الاداة النقدية في كل مجال عندما تنظر الى الماضي ينبغي ان تنظر ليس بسبيل تدويره او استنساخه، انما دراسته لتخليصه مما ينطوي عليه من خطأ او مجموعة اخطاء، والتقدم الى الامام وليس بمسار دائري للعودة الى ذات التجربة واجترارها. الكثير من المنظومات الفكرية والخطابات، بتنوعها، في الشرق، ظلت وحتى يومنا هذا لا تتقبل مفهوم النقد، لصلابة متونها، ودائرية مسار التفكير لديها  وارتداده نحو الماضي، وقد انعكس هذا حتى في واقعها السياسي المتأزم دائما او فكرها السياسي. الازمة السياسية الاخيرة في  العراق هي ضمن مسلسل الازمات الطويل، تؤكد ان العقل السياسي العراقي يمر بأسوأ تخبطاته ويخلو تماما من فعالية النقد، حين يقوم بتدوير الازمة ويعيد استنساخ تجارب قديمة فاشلة، كانت السبب فيما نمر به اليوم، فالعودة الى اساليب حكم تعتمد التحاصص والتغانم في ما تبدى في سنوات مابعد 2003، وما اثمرت من نتائج فاشلة وفاسدة، والذي تجسد عبر مسميات شتى، كتوافق او تشارك او مشاركة، وهي لا تعدو عن كونها اغطية لمضمون واحد هو التغانم او التحاصص، وهو اليوم ما يعمل به، فيما سمي باللجان او الاطر او الاستقطابات المغلفة طائفيا، التي قطعا سوف لا تنتج الا نتائج أسوأ من التجربة البائسة في السنوات الماضية.