سنان الشبيبي.. صاحب التغيير الشامل

العراق 2022/01/10
...

 بغداد: عامر مؤيد 
 
فقدت الأوساط الاقتصادية والرأي العام المحلي رجل المالية والاقتصاد سنان الشبيبي سليل عائلة السياسة والأعمال الذي رحل عن 80 عاماً في جنيف، بعد مشوار طويل في مجالات عدة من بينها وزارتا التخطيط والنفط في سبيعينيات القرن الماضي. تخرج الراحل من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد، كما حصل على دبلوم في الدراسات العليا في التنمية والاقتصاد، شهادة ماجستير بعلم الاقتصاد من جامعة مانشستر في المملكة المتحدة وشهادة دكتوراه بعلم الاقتصاد من جامعة برستل في المملكة المتحدة أيضاً.
يعد الشبيبي من جيل نخبة الخبرات العراقية الاقتصادية والمالية، حصل على تعليمه العالي في بريطانيا، دخل في اجتماعات طويلة مع الولايات المتحدة قبيل عمليات الغزو التي قادتها إدارة الرئيس بوش الإبن في نيسان 2003.
شغل مناصب عدة، فمنذ أيار 1975 وحتى آذار 1977 كان رئيس قسم الاستيراد والتسويق في وزارة النفط، ورئيس قسم التخطيط والتنسيق في وزارة التخطيط منذ نيسان 1977 وحتى كانون الأول 1980.
انتقل إلى جنيف بالتزامن مع اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، وبقي هناك مايقارب واحداً وعشرين عاماً، كخبير اقتصادي في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
 
الظهور الكبير الأول
بصفته خبيراً اقتصادياً، كان أول ظهور علني متلفز للشبيبي، في 1 حزيران 2002 ضمن جلسات استماع قادها آنذاك السيناتور جو بايدن – الرئيس الحالي للولايات المتحدة – ونقلتها على الهواء قناة "C-SPAN" الاميركية، في إطار حملات مكثفة لإقناع الرأي العام بضرورة غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين، وقتها قدم الشبيبي شهادة قال فيها: إن "الطبقة المتوسطة في العراق اختفت تماماً (...) على المدى القصير جداً ومن أجل العراق، يجب أولاً استعادة الاستقرار الاقتصادي وتهيئة الظروف للحفاظ على ذلك الاستقرار، وستكون الأولوية القصوى هي إعادة الاستقرار الاقتصادي، رفع القيمة الخارجية لعملة الدينار العراقي، السيطرة على التضخم بسبب آثاره الضارة وعواقبه الاجتماعية والسياسية لهذا، إذا لم يتم تخفيض التضخم من المحتمل أن يحدث احتجاج سياسي، ويجب ألا يستخدم القمع إزاء تلك الاحتجاجات، المطلوب هو حشد حجم كبير من الموارد المالية ومساندة على المستوى الدولي والإقليمي بعد رفع العقوبات ويجب السماح للعراق بالوصول إلى أقصى طاقته لتصدير النفط مع دخول مجاني إلى سوق النفط، من دون التأثير سلباً في مستوى أسعار النفط، وهذا يتطلب أقصى قدر من التعاون من قبل أعضاء أوبك، يجب أن يدرك أعضاء أوبك أيضاً أن الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعراق ستكون له تداعيات على الأمن الإقليمي، وفي هذا الإطار يجب إعادة دمج العراق في المنطقة والمجتمع الدولي، وبينما أجلس الأن أمامكم، أطالب بأن يُمنح العراق فترة تساهل في ما يتعلق بسداد ديونه المتعثرة".
 
رئيس للمالية العراقية
وصل سنان الشبيبي إلى كرسي رئاسة البنك المركزي العراقي، كأول شخصية عراقية بعد العام 2003، ساعد خلالها على إعادة اعتبار البنك المركزي العراقي كمؤسسة مالية مستقلة عن الحكومة الفيدرالية الاتحادية، وذلك عبر قانون ساعد البنك على بناء احتياطي مالي ونقدي يُسند العملة المحلية، للسيطرة على آثار التضخم والميل العالي للاستهلاك والاستيراد بعد 2003.
أحدث الشبيبي تغييرات عديدة فور تسلمه للمنصب، أبرزها إدخال أنظمة الحسابات ونظم الدفع الحديثة للمؤسسة المالية، واستبدل الطابعات اليدوية والحاسبات بأنظمة حواسيب حديثة، وأدوات المحاسبة كمزادات بيع العملة، واستبدل العملة النقدية ما قبل عام 2003 إلى العملة الجديدة بين تشرين الاول 2003 وكانون الثاني 2004، كما قام بإشراك البنك المركزي العراقي في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بالإضافة لمفاوضات نادي باريس حيث وافقت 19 دولة على إعفاء العراق من 80% من ديون ما قبل-2003 لمساعدة العراق على التعافي من مرحلة ما بعد الحرب التي قادتها الولايات المتحدة .
وفي السياسة المالية، ينسب للشبيبي تخفيض التضخم المالي من 64 % في 2006 إلى 5.2% في 2012، إضافة إلى مضاعفته احتياطي الذهب إلى 32 %، فضلا عن رفع احتياطي النقد الأجنبي إلى ما يقارب 67 مليار دولار في أيلول 2012 بعدما كان يبلغ 2.7 مليار دولار في عام 2002 . في العام 2010، استطاع الشبيبي تنفيذ أولى خطوات رؤيته بإخراج مقر البنك المركزي من وسط العاصمة المزدحم، بعدما اتفق مع المصممة العالمية الراحلة زها حديد خلال جلسة عمل في العاصمة الإيطالية روما على تصميم بناية البنك الجديدة في شارع أبي نؤاس.
في العام 2012، حصل البنك المركزي على جميع الموافقات الروتينية قبل توقيع العقد في لندن في نهاية كانون الثاني، حينها عبر الشبيبي الذي لم يُقدر له رؤية المبنى المعجزة في بغداد، عن الشعور العراقي بهذه المناسبة إذ قال :"ستتم إضافة المبنى إلى تراث العراق الذي يمتد لأكثر من 8000 عام، التراث الذي منحت فيه الإنسانية جوهراً كثيراً من معارفه وتقنياته، ومن هو الشخص المناسب الذي يطلب منه تصميم مقرنا؟ أيقونة في عالم العمارة، زها حديد. حديد هي الأخرى التي لم تمهلها الأقدار لرؤية عملها في قلب العاصمة، قالت في الاحتفالية، :"لايهم كم هي المدة التي تعيشها خارج بلدك، فهناك شيء رائع عندما تتكلم اللغة وتفهم الثقافة. لقد ولدت بالعراق – ومازلت أشعر بأنني قريبة منه وأنا أشعر بأني محظوظة لأن أعمل في العراق وبمشروع له هذه الأهمية الوطنية".
بداية النهاية
خلال الحكومة الثانية لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، نشبت خلافات حادة مع الشبيبي توجت بوثيقة إلقاء قبض وإقالة.
كان أصل الخلاف بين الشبيبي والمالكي قد طفا إلى السطح بعد مطالبة الأخير للبنك المركزي بتسليف الحكومة، وإزاء رفض الشبيبي، صدر قرار بإقالته في تشرين الأول 2012، مع تكليف رئيس ديوان الرقابة المالية عبد الباسط تركي بمهمة إدارة "المركزي" حتى إشعار آخر.
اتهم الشبيبي بالفساد الإداري والمالي، حيث قال المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة  علي الموسوي وقتها : إن "مجلس الوزراء قرر إقالة محافظ البنك المركزي سنان الشبيبي، الذي صدرت بحقه مذكرة إلقاء قبض من جهة قضائية بتهمة الفساد المالي والإداري".
وأوضح الموسوي أنه "بعد تذبذب سعر صرف الدينار شكلت لجنة في مجلس النواب للتحقيق برئاسة نائب رئيس المجلس قصي السهيل وبعد تحقيقات مطولة وجدت تقصيراً من قبل محافظ البنك وآخرين"، مبيناً أن "اللجنة رفعت تقريرها إلى هيئة النزاهة الرسمية التي تعنى بمكافحة الفساد في دوائر الدولة والتي "قررت سحب يد الشبيبي الذي يدير المركزي منذ العام 2003 وآخرين" مضيفاً أنه "عندما أصبحت الحكومة أمام الواقع قررت تعيين شخصية حازت على شبه إجماع".
 
في المنفى الاختياري!
لم يعد الشبيبي إلى العراق بعد ذلك، وقتها كان قد سافر إلى اليابان للمشاركة في مؤتمر اقتصادي، وفضَل تغيير الوجهة من بغداد إلى جنيف، شوهد بعدها في لندن لأكثر من مرة، آنذاك كان نائبه مظهر محمد صالح قد أُودع – بعد أن ذهب طواعية للتحقيق معه - حبساً سيئاً في مركز شرطة المسبح وسط بغداد لأكثر من شهر قبل 
أن يخرج بكفالة.
بقي الشبيبي يدافع عن موقفه من خلال وسائل الإعلام، "مذكرة القبض بحقي وتنحيتي من منصبي جاءت بدوافع سياسية، بعد أن رفضت الرضوخ وتنفيذ مطالب محددة".
وفي حديث صحفي له حينها أكد أنه "لايعرف التهم الموجهة إليه وعلى أي أساس صدر الحكم، وإذا كان الأمر يتعلق بمزاد العملة الأجنبية فهذا المزاد هو سياسة نقدية رئيسة للبنك وما زال البنك يتبعها، وهي سياسة واضحة تقوم على مبادلة الدينار العراقي بالدولار الأميركي".
وأكد أن "محاولات عديدة للتدخل في عمل البنك المركزي من قبل الحكومة، وهذا التدخل يجري في سياساته أو للحصول على أموال من احتياطي البنك"، لافتاً إلى أن "هذه التدخلات مضرة بجهود البنك للسيطرة على التضخم وهو الهدف الرئيس للبنك لأنها تؤثر في السياسات في هذا المجال".
وأشار الشبيبي إلى أن "الهيئات المستقلة جزء أساس من السلطات الاتحادية حسب الدستور، وهي على العموم مستقلة في عملها، وهذه قضية مهمة في ما يتعلق الأمر بالبنك المركزي الذي يتمتع باستقلالية مالية وإدارية واستقلالية في صياغة السياسات".
 
رحلة التبرئة
في العام 2013، ظهر تطور لافت في قضية الشبيبي بعدما أبطلت لجنة النزاهة في مجلس النواب جميع التهم الموجهة ضده، وقتها صرح عضو اللجنة جواد الشهيلي أن "محكمة التحقيق المختصة بالنظر في قضايا النزاهة أثبتت أنه لا دخل للبنك المركزي ورئيسه السابق سنان الشبيبي بعملية هدر الأموال التي أشارت إليها اللجنة التحقيقية المشكلة من قبل مجلس النواب ولا حتى تقرير 
ديوان الرقابة المالية".
الشهيلي أوضح أن "هناك سياسات خاطئة لم يرتكبها البنك المركزي وإنما المصارف التي مازالت قابعة على قلب البنك المرتبطة بشخصيات سياسية كبيرة، فضلاً عن القنصليات والملحقيات التجارية الموجودة في بعض العواصم".