أحمد عبد الحسين
بديهيٌّ أن الإنسان ليس هويته.
كلّ فردٍ منّا أكبر من أن تستوعبه هوّية واحدة، وأكثر تعقيداً من أن يُحشر في اسمٍ يراد له أن يكون جامعاً مانعاً. وكلّ من يتوّهم أنه هو وهويته شيء واحد فإنه يجازف بإهدار حياته على سراب، لأن المقادير التي أُعطيتْ له في الحياة إنما أُعطيتْ له بوصفه إنساناً فرداً لا بوصفه عضواً في جماعة.
لهذا كان الفخّ الكبير الذي وضعته لنا حكوماتنا ـ نحن العرب ـ يتمثل في جعلنا جزءاً من كلٍّ "أمّة أو دين أو طائفة"، فلقّنونا أن نطالب بالكرامة ونقصد بها كرامة الأمة، وبالقوة ونعني بها قوّة العقيدة، وبالغلبة التي هي غلبة الطائفة. ضاعتْ حقوق الفرد ـ المواطن على مذبح الهويّة.
أمس كانت أولى جلسات البرلمان الجديد. كانت الجلسة أقرب إلى محفل هويّات منها إلى اجتماع مشرّعين. حضرت الرموز الدالّة على هويّات جماعيّة: بعض بأزيائهم التقليدية، آخرون بالأكفان، وبعض آخر بعربات التكتك. وهذه كلّها علامات تشير إلى الرافعات الأيديولوجية التي أوصلت النوّاب إلى هذا المحفل.
الاعتزاز بالهويّة وشؤونها ورموزها وأزيائها أمرٌ مستساغ ومحبب، لكنه عندنا غالباً ما كان له وقع سيئ يتمثل في الاكتفاء بإشهار الهوية لإرضاء جمهورها من دون تقديم خدمة حقيقية لهذا الجمهور.
دأبت الأيديولوجيات المتعاقبة على هذا التقليد: أنْ توهم الناس بأن هناك من يدافع عن هويتهم ورموزهم، وأن توهمهم في الوقت نفسه أنهم هم وهوياتهم شيء واحد. لكنّي أنا المواطن غائب عن هذه الحفلة، وما النفع إن انتصرتْ هويتي في غيابي؟.
في اليوم التالي يستيقظ الناس على أمر جلل وخبر حزين: هوياتهم مصانة وحقوقهم مهدورة.