صحّحوا الوعي.. بالإنجاز

آراء 2022/01/11
...

 سالم مشكور
 
من أشكال التشوه الذي تعاني منه الثقافة السياسية الشعبية في العراق، هو اعتبار السعي الى مواقع السلطة مثلبة وإن الساعي هو من يريد الاستحواذ وجني المكاسب الشخصية والعائلية أو حتى الحزبية. بالتأكيد هو دليل على تشوّه في الوعي أفرزته عوامل عدة، منها سمعة العمل الحزبي منذ عام 1968، والذي لم يقدم سوى صورة حزب يستحوذ على السلطة ويجبر الناس على الانتماء، وجعل ذلك مقياساً للوطنية وعكسه عمالة وارتباطاً بالأجنبي يستتبع ملاحقة وقتلاً، أو على الاقل تهميشاً وإقصاءً وحرمانا من أبسط الحقوق. بعد  ٢٠٠٣  لم يرَ الناس تجربة أفضل، فالحزب أصبح أحزاباً متعددة والتفرّد بالحكم بات محاصصة بين الأحزاب وكلٌّ يعدُّ حصته في الحكم حصّةً من مغنم يتفرد بما لديه من وزارة أو مؤسسة، يملؤها بأنصاره، ويجير مواردها له. هكذا بات الهدف هو الوصول الى المواقع {المربحة} والاحتفاظ بها، وباتت العلاقة بين الأطراف تقوم على المناكفة والإعاقة والازاحة. 
غاب هدف الإنجاز وبناء الدولة، وإن حضر عند البعض فان معاول الهدم أو الإعاقة كفيلة بإحباط أي مسعى في هذا السبيل.
هكذا بات الناس أكثر إحباطاً من الأداء الحزبي، وشاعت مقولة إن حكم الأحزاب هو سبب الأزمة، وبات السعي الى السلطة، في ذهن العامّة هدفاً غير شريف، فكان الوعي المشوّه الذي ينطوي على تناقض في السلوك يزيد من عمق المشكلة.
يتجلى التناقض في أشكال عدة، فأغلب الذين يتذمرون من الأحزاب وأدائها، يدعمون حزباً أو جماعة سياسية سبقت وقدمت أداءً سيئاً. أغلب هؤلاء يريدون الديمقراطية لكنهم يرفضون وجود أحزاب، وهذا ما يتناقض مع مبادئ النظام الديمقراطي، الذي يقوم على وجود الأحزاب. يعيبون على الأحزاب السعي الى السلطة، بينما العمل السياسي الحقيقي يقوم على سعي الحزب الى السلطة من أجل تنفيذ برامجه التي تعالج شؤون البلاد.
مشكلة الوعي المشوّه هي أنّ الناس لم يروا النموذج الإيجابي الذي يجعلهم يثقون بالحزب بما يحمله من برنامج وما يقدمه من إنجاز للبلاد والشعب من خلال سلطة هي وسيلة وليست هدفاً.
الكل يتحدث عن ضرورة التغيير، ونحن على أعتاب عهد سياسي جديد، ومن يريد التغيير بالفعل، عليه أن يقدم نموذجا مختلفاً يقوم على هدفية الإنجاز من خلال السلطة، بدلا من هدفية السلطة وسلوكية الاستحواذ والاقصاء.
لم يعد الوضع يتحمل المزيد مما كان حتى الآن.