ثقافة الكراهيَّة وتأثيرها السيئ في بناء المجتمعات

آراء 2022/01/11
...

 ماهر عبد جودة
إشاعة روح الكراهية والاقصاء، وعدم الإيمان بالآخر، هي أحد مكامن أمراض مجتمعاتنا المحلية، ومجتمعات الأرض المختلفة، وكانت أحد أسباب الحروب والمنازعات، وتدمير الحضارات، والمدن العامرة بأهلها وثقافاتها، وهي نزعة لم يتبناها الإنسان السوي العادي أو يبتدعها، فهو مسالم بطبعه ومحب للخير والسلام، 
 
إنما عرّابها ومن نهض بها واشاعها، هم أولئك المتنفذون والمسيطرون على رقاب الناس، ومن بيدهم زمام كل شيء، ممن امعنوا بالتسلط والانتقام والاستحواذ، بتجنيد كهانهم ووعاظهم، لنشر ثقافة النبذ وتكفير الآخر وقتله، وإنه لا يستحق العيش إلا عبدا تابعا، يباع ويشترى هو وأسرته في سوق النخاسة، لأن الذي عليه هذا الإنسان، وذلك الشعب من معتقدات وقيم، خارجة عن إطار ما يعتقده السلطان القوي ومايؤمن به ، وما ذلك في حقيقته إلا هواجس ومجموعة امراضها، وهي خليط من أمراض نفسية واجتماعية وفكريه، تنتهي بالحاكم إلى أن يصاب، بجنون العظمة وتضخم الذات وعبادتها، فيوغل في سحق الآخر أفرادا وجماعات وشعوب، وإشاعة روح الكراهية ومحق الجمال، وكل ما من شأنه إعلاء الإنسان وتمدنه، حيث يصيرها السلطان إلى ثقافة تنتشر بين أتباعه ومريدية وجنده الميامين، فيتحولون إلى وحوش كاسرة،غلاظ القلوب وبلا رحمة، عند الغزو واستباحة من يخالفهم من الأفراد والشعوب الأخرى. 
فقد اعتادت الإمبراطوريات والممالك، القديمة منها والحديثة، على خلق روح القطيعة، ونبذ روح الحوار والتسامح، واللجوء إلى الحرب طريقا وحيدا لحل النزاعات، تحت ذرائع شتى، قائمة على ثقافة احادية متكلسه، لاتقبل النقد أو التفنيد وإعادة النظر، منها عنصرية قوميه، وأخرى دينية ومذهبية، وتارة حزبية، ويحشدون من أجل ذلك شتى الاكاذيب والاباطيل، ويلفقون مختلف التهم، كي ينجحوا في مرادهم ومايبتغون، ولكي يثقوا بقواتهم ويطمئنوا عليها، دأبوا على تجنيد الأطفال الصغار جدا، بعد سرقتهم من أسرهم، أو اطفال الشعوب المغلوبة، ليمارسوا ضدهم، شتى عمليات غسل الدماغ، واشاعة روح التجبر والبغض والكراهية، في لاشعورهم، وعبادة السلطان والفناء من أجله والذوبان بحبه، ولدينا أمثلة عديدة ممكن أن نوردها في هذا الصدد، كالانكشارية العثمانية، وقوات الأمن الخاصة التابعة لهتلر النازي، وفدائيي صدام التابعة لدكتاتور العراق المقبور، إذ ارتكبت تلك التكوينات، ابشع الجرائم بحق المعارضين المحلين، وبحق ثوار الشعوب المحتلة.
ولا ننسى أبدا دور أولئك الحكام الظلمة، في تمزيق لحمة شعوبهم ونسيجها الاجتماعي، عندما يشعرون أن سلطتهم في خطر، وعليهم خلق الأزمات المستعصية بين أبناء الشعب، والهائم عن جرائم السلطة وما تقوم به من حماقات.
فحكام بلدنا العراق الحبيب منذ تأسيس الدولة العراقية، اشتغلوا بكل وقاحة على رفع شأن لون او شريحة، وحرمان وطمس شرائح أخرى، وعلى ضوء الاعتبارات الطائفية والعرقية السيئة الصيت.
فلم تكن الحكومات المتعاقبة في العهدين الملكي والجمهوري، إلا تمثيلا للون واحد فقط، حيث النتائج الوخيمة، وحيث السجون والمعتقلات والمقابر الجماعية، هو نصيب الأحرار والمطالبين بحقوقهم، والفشل الذريع في وحدة المجتمع وتقدمه خطوات إلى الأمام، ومازال شعبنا يحصد تلك الآثار المدمرة حتى بعد ذهاب الدكتاتورية، وانبثاق دولة الحرية والديمقراطية، ونحن الآن بأمس الحاجة إلى زمن حي نابض، للقضاء على تلك المخاطر وقبرها، معزز باقتصاد مكين وراسخ، وثقافة وطنية جامعة، تنهض بها المؤسسات التعليمية والعقلاء من رجال الدين، ممن يتمتعون بالاعتدال والوسطية والإيمان بالآخر. لقد غادرنا أزمنة الأيديولوجيات المغلقة التي لايمكن إن يأتيها الخطاء مطلقا، وأن مناقشتها وإعادة النظر في أسسها الفلسفية والنظرية، خيانة وجريمة لا تغتفر، فلم يعد هناك فكر مطلق الحقيقة أبدا.