مَنْ يريد الوطن؟

العراق 2022/01/12
...

أحمد عبد الحسين
عذابُ العراق ـ ومثله عذاب كثير من دول المنطقة ـ أنّ قوتين تتجاذبانه: قوّة تُعلي من شأن الفكرة على حساب الوطن، وأخرى تقدّم الوطن، مصالحه وأسباب ازدهاره وسلامه، على كلّ فكرة مهما كانتْ تلك الفكرة مطليّة بالمجد أو القداسة.
الأفكار كثيرة، تملأ الفضاء وهي تتغيّر باستمرار وتتبدّل ما دام هناك أناس يفكّرون، لكنّ التقاط فكرة ما وتصنيمها وتلميعها وجعل كلّ شيء منوطاً بها متعلقاً بها يسدّ الآفاق، يفرغ الوطن والمواطنة من معانيهما الحقيقية ويملأهما بكلامٍ رميمٍ عن الرفعة والمجد والسؤدد والكرامة ومشتقاتها التي لا تفعل شيئاً سوى التستّر على حقيقة أنّ محصول الفكرة لا شيء سوى هذا الهذر اللفظيّ الذي اعتاش عليه قوميون ويساريون وإسلاميون بعد أن أماتوا الوطن.
ما محصول أفكار "الوحدة والحرية والاشتراكية" التي طحنتنا نصف قرنٍ سوى هذا الخراب العميم الذي جعل من وطننا هشاً بين الأوطان، ومن مواطننا غير ذي ثقةٍ بوطنه؟
اليوم أيضاً نحن في ذروة تجاذب لا قرار له، بين من يريدون الوطنَ مجرداً من ورم الفكرة الواحدة "وكل الأورام الفكرية غير حميدة"، وبين من يرغبون في أن ننضوي نحن ووطننا الهشّ في مشروع ملحميّ كونيّ لمقارعة شياطين الإنس والجنّ.
رأينا عياناً أن تقديس الفكرة مؤدّ إلى الموت، لكن أصحاب الأفكار يجمّلون هذا الموت بأكاليل من غار المجد. ورأينا كيف أنّ الناس منذ عقود لم يعيشوا حياة طمأنينة وسلامٍ بسبب من طغيان الأفكار التي إنْ لم تقنع الناس فإن سلاح أصحابها كافٍ لإقناعهم بها.
العذابُ كلّ العذاب أنّ شعوب هذه المنطقة المنكوبة يريدون وطناً بينما المال والسلاح والغلبة لمن يريدون الفكرة الملحمية.