حذار اللادولة العميقة

آراء 2022/01/13
...

 أ.د عامر حسن فياض
 
مهما تعددت تسميات الوحدات السياسية وتنوعت توصيفاتها فإن القاموس الدولتي المعاصر استقر على ثلاثية (الدولة والدولة العميقة واللادولة العميقة)، ولأننا نريد التحذير من الفوضى الاقتتالية المنظمة وغير المنظمة. ونريد الحذر من الشعبويات العاطفية غير المستنيرة والأقلويات التسلطية بالسلاح او المال تعالوا نتعرف على ماهية اللادولة العميقة.
إنَّ اللادولة العميقة وقبل تحديد ماهيتها علينا أن ندرك بأنها، من حيث الوجود، لاحقة وليست سابقة لوجود الدولة الدستورية. وبقدر تعلق الامر بالعراق بوصفه كيانا سياسيا تاريخيا لم يصل بعد الى منصة الدول القائمة حقاً، فإن الحديث عن الدولة العميقة سابق لأوانه في العراق.
عليه يمكننا، على أساس ما تقدم، أن نتحدث عن (اللادولة) العميقة في العراق قبل الانشغال، بلا جدوى، بالحديث عن الدولة العميقة في العراق. ومن المفيد أن نتعرف على ماهية اللادولة العميقة بدلالة الحديث عن كل من مصطلحي الدولة العميقة والكيان الموازي للدولة العميقة من حيث المفهوم والخصائص ودوافع التشكيل.
 
فكيف تتغول الدولة العميقة والكيان
 الموازي على الدولة الدستورية؟
الدولة العميقة تعني التحكم بوظائف المؤسسات الدستورية من قبل نخب سياسية وعسكرية واعلامية واقتصادية واجتماعية تجمعها مصالح متشابكه، لتجعل منها نخبة متسلطة على القرارات السياسية السيادية وغير السيادية. وقد تتدخل أطراف خارجية في صناعة او دعم جماعات الدولة العميقة عندما ترغب تلك الاطراف الدولية الخارجية في محاربة المشاريع المحلية والدولية التي لا تخدم مصالحها في بلد مهم ستراتيجيا بالنسبة لها فتدعم او تنشئ شبكات تنظيمية خارج الأطر الرسمية للدولة. وقد يتوافق مع الدولة العميقة كيان موازي او يتداخل معها، ويشير مصطلح الكيان الموازي للدولة الى حركة اجتماعية تتأسس لتوليد التأثير الاجتماعي الشعبوي والدخول الى ميدان الحياة السياسية على وفق رؤية بعيدة المدى تلتزم بموجبها على تكوين حاضنة اجتماعية واسعة تدور في مسار قائد مؤسس. 
ويأتي انشاء هذه الأرضية الحاضنة الاساسية للكيان الموازي للدولة بسبب عدم وجود منصة فكرية سياسية تدفع باتجاه اداء دور سياسي وطني، الامر الذي يؤدي بسبب ضعف هذه المنصة او غيابها الى استقطابات محاصصاتية للمشهد السياسي.
عندها يدور الكيان الموازي في فلك قائده الاوحد الذي أسس هذه الحركة الاجتاعية ذات الامتدادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد أن بدأ باختيار الطريق الاجتماعي لتأسيس النفوذ داخل المجتمع أولاً زاحفاً نحو الدوائر السياسية عبر الارشاد والتبليغ والتربية والتعليم والمؤسسات الخدمية الاسكانية والصحية والمالية والاعلامية.
ورغم النفوذ الاجتماعي والاقتصادي والاعلامي الشعبوي الهائل للقائد فانه يأبى وكذلك بعض ابرز جماعته واجنحته من غير السياسيين، يأبى العمل السياسي المباشر والمعلن ليقود حركة او تيارا واسعا ويصبح لأنصاره مشاركة مؤثرة في دوائر صنع القرار، بعد أن يتمكن من تعبئة ساسة في مرافق ومؤسسات الدولة قاطبة وبعد أن يفتح أذرعه للتحالف مع أحزاب وقوى سياسية ولكن سرعان ما يتخالف معها فيتحول التحالف الى احتواء او الى مواجهة.
والكيان الموازي هنا يشكل بديلا للدولة العميقة او المرحلة الثانية للدولة العميقة. وبكل الاحوال فإن الدولة العميقة والكيان الموازي لم يتشكلا بعد في العراق لأن الدولة لم تأتِ بعد ولأن البواعث لوجود اللادولة العميقة متوافرة بقوة من خلال المؤشرات الآتية: 
•إنَّ قوة اللادولة العميقة تتناسب عكسياً مع ضعف المؤسسات الدستورية.
• إنها تتناسب في قوتها مع ارتفاع منسوب الفساد وانتشار السلاح المنفلت عن الشرعية.
• إنها تتزامن مع عسكرة السلطة او السلطة المعسكرة.
• إنها تتواءم مع ارتفاع وشدة انتشار الشعبوية.
• إنها تتقوى عند ضعف او غياب المعارضة السياسية الايجابية.
• إنها تحيا وتنتعش عندما تكون للعلوية التوافقية غلبة واولوية على العلوية الدستورية.
• إنها تتأسس خارج رحم الدولة الدستورية وعندما تغيب الدولة الدستوربة فان رحم الكيان السياسي ما قبل الدولة يكون الرحم الخصب لحمل وولادة اللادولة العميقة.
• وإنها تنمو وتتصلب عندما لاتستقوي قوى الداخل ببعضها وطنياً وتنزع الى الاستقواء بقوى الخارج متناسية او متجاهلة بقصد او بدون قصد الوطن والوطنية والمواطنة وضرورة تقويتهم والاستقواء بهم.
• كذلك تكبر وتتجبر اللادولة العميقة عندما تنظر القوى السياسية الى العراق من ثقوب مذاهبها او قومياتها او مناطقيتها الجهوية الضيقة دون أن تنظر لجهويتها المذهبية والقومية والاجتماعية والمناطقية من بوابة العراق الموحد المتحد العريضة الواسعة الجامعة.
• أخيراً تتغول اللادولة العميقة عندما يركب الساسة مركب السلطة والحكم ويتنحى رجال الدولة عن قيادة هذا المركب او تتم تنحيتهم.
ما العمل؟ 
باختصار شديد، لا دعاء يخلصنا،  ولا قائد ينقذنا،  ولا براني يسعفنا بل المخلص والمنقذ والمسعف نجده في الانتخابات وبالمزيد من مواصلة الانتخابات التي تقوم على قانون عادل وإدارة مستقلة حقا ومراقب منصف ومرشح مواطن وناخب واع . دون ذلك فإن اللادولة العميقة باقية والدولة العميقة والكيان الموازي للدولة آتيان.