ماذا سيحدثُ تحت قبة البرلمان؟

آراء 2022/01/16
...

  رضا المحمداوي
انعقدت جلسة البرلمان الجديد بتاريخ 9/1/ 2022 بطابعها الدراماتيكي ودخلَ ممثلو انتفاضة تشرين بمركبات (التوك تك) الى المنطقة الخضراء، في رمزية واضحة رغم كثرة الآراء ووجهات النظر المختلفة إزاء هذه الطريقة في دخول الحراك الشعبي الى العملية السياسية، عبر بوابة مجلس النواب ليشغل نوابه مقاعدهم تحت قبة البرلمان
 
وفي قراءة تاريخية للماضي القريب ومن أجل الاستذكار وترسيخ القناعات واستخلاص الدروس والعبر، وربما من أجل فتح نافذة للتنبؤ والاحتمالات والتوقعات المحتملة، لا بُدَّ من التذكير بأنَّ العديد من القوى السياسية بأحزابها وكتلها المتنفذة في البرلمان السابق وأذرعها الممسكة بدفة الحكم بقبضات فولاذية في الحكومات السابقة، قَد عَمَدَتْ إلى وصف الانتفاضة الشعبية وحركة الاحتجاج وموجات التظاهرات التي عمَّتْ محافظات الوسط والجنوب العراقي منذ 1/10/ 2019 بأنها مشروع أميركي جديد مُوجَّهٌ ضدها بالدرجة الأساس، ويستهدف وجودها وهيكلها السياسي والحزبي الذي بَنتْهُ على مدى 18 عاماً داخل المجتمع والدولة العراقية، رغم عِلم تلك القوى السياسية الحاكمة بأن تلك الانتفاضة والحركة الإحتجاجية كانت قد بدأتْ بتظاهرات شعبية عفوية ذات مطالب خدمية، لكنها في الأصل خَرَجَتْ ضد الفساد والفشل السياسي الذي قادَ الفساد الإداري والمالي ونتائجَهُ الكارثية، التي أوقفتْ عجلة التنمية والبناء والتطور وأوصلتْ دولة غنية مثل العراق إلى حافة الإفلاس وبخزينة خاوية، مع ارتفاع بنسبة الفقر والبطالة وبإقتصاد
ريعي شاحب وهزيل ظل مرتهناً بأسعار النفط المتقلبة في الأسواق العالمية، وذلكَ قبل أنْ ترفع تلك الحركات الاحتجاجية الشعبية سقف مطالبها عالياً وتتحوَّل إلى تظاهرات سياسية بامتياز، دَعَتْ فيها الى رحيل الطبقة السياسية الحاكمة جميعاً، وإلى إستقالة حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة جديدة، والدعوة إلى انتخابات مُبكرِّة، وإلى تغيير نظام الانتخابات، وتشكيل مفوضية إنتخابات جديدة وغيرها، وحظيت هذه الإنتفاضة والحركات الاحتجاجية ومطالبها السياسية المشروعة بدعم مطلق من قبل مرجعية السيد علي السيستاني، الذي أعلن تأييده لها بشكل متكرر من خلال منبر خطبة صلاة الجمعة في كربلاء، وقد قدَّمتْ الجماهير المحتجة بانتفاضتها الشعبية في المحافظات كافة، التي شَهَدَتْ التظاهرات الشعبية من أجل تحقيق مطالبها ووقوفها المبدئي الثابت على مدى شهور طويلة، الآلاف من الضحايا بين شهيد وجريح ومصاب ومُعاق وهي تواجهُ بصدورها العارية الرصاص القاتل للسلطة والقنابل المسيلة
 للدماء. 
وهذا الموقف الثوري بموقفه المبدئي أصاب الطبقة السياسية الحاكمة بالصميم ووضعها في موقف محرج للغاية، حيث لم يعدْ بمقدورها الإستجابة لمطالب الجماهير المنتفضة، كما أنَّ سياسة الحديد والنار والقمع الحكومي لتلك التظاهرات قد أثَبتَتْ فشلها أمام إصرار الإنتفاضة الشعبية على المضي في طريق الإصلاح السياسي المنشود، رغم ما تُقدِّمهُ من أرواح ودماء شبابها 
المنتتفض. 
كما رأتْ تلك القوى السياسية، في جانب آخر من رؤيتها القاصرة والمُشَوشَة في الانتفاضة الشعبية والتظاهرات بأنها حراك جماهيري عراقي قام بتحريض أميركي للوقوف بوجه النفوذ الإيراني المتزايد داخل المنظومة السياسية العراقية بتداعياته على الأصعدة الأمنية والاقتصادية والعسكرية، في محاولة من أميركا - استناداً لتلك الرؤية المُشَوشة - للحدِّ من ذلك النفوذ ومواجهتِهِ، رغم أنَّ هذا النفوذ يستند في جانب كبير منه الى أسس العلاقة السياسية الوثيقة القائمة بين البلدين الجارين (العراق وإيران) بجذورها التاريخية وحدودها الجغرافية الطويلة وعمقها الديني بهويته الطائفية والمذهبية المعروفة، وقد جاءتْ ظروف الحرب التي خاضها العراق ضد عصابات (داعش) الإرهابية منذ العام 2014 - وما زالتْ هذه الحرب مستمرةً حتى الآن - ووقوف إيران الى جانب العراق وتزويده بالسلاح والذخيرة، لتزيد عُرى تلك العلاقة قوة ومتانة وتجعلها أكثر ارتباطاً وتعاوناً في مواجهة تلك العصابات 
الارهابية.
هذا الوصف والتوصيف من قبل تلك القوة السياسية العراقية الفاعلة والمتنفذة، يعتمد أساساً على القراءة المغلوطة لموقف الإدارة الاميركية الجديد الذي يبدو متعاطفاً أو منحازاً مع حركة الانتفاضة الشعبية ودعمها إعلامياً، رغم أنَّ هذا التوجِّه والتعاطف لم يكنْ موقفاً رسمياً، ولم يتمْ تبنيه أو الترويج له من قبل الناشطين في ساحات الإحتجاج، بل إنه جاء في سياق العديد من المواقف التي أبدتْها المنظمات الدولية المَعنية بحقوق الإنسان، والدفاع عن الحريات وخاصة حق التظاهر، والتعبير عن الرأي، وحق تقرير المصير، كما أنه جاء ضمن الكثير من مواقف الإدانة والاستنكار الدولية لعمليات القتل المتعمد واستخدام القوة المفرطة في التعامل مع المتظاهرين والتصفية الجسدية للناشطين في ساحات الاحتجاج، والتي انتهجتها حكومة عادل عبد المهدي في تعاملها مع 
التظاهرات.
هذا التوجِّه الأميركي المؤيد لحركة الاحتجاج وجماهيرها المنتفضة تمَّتْ قراءته من قبل تلك القوى السياسية العراقية الحاكمة، على أنه تجديد للمشروع الأميركي في العراق والذي أصبح الآن قديماً نسبياً نوعاً ما بعد مرور هذه السنوات الطويلة من عمر الشعب العراقي، وفشل تجربة الإسلام السياسي في الحكم وإدارة الدولة العراقية، حيث سيتم - وفق تلك القراءة - تبني هذه الحركة الشبابية وأجيالها الفتية الجديدة من أجل إحياء المشروع الأميركي وتقديم نسخة جديدة منه على أنقاض المشروع الأميركي القديم الذي حَمَلَهُ معهُ مِمِّن أصبح الآن جيلاً من العجائز والشيوخ، والذي كان يعرف سابقاً بـ (المعارضة العراقية)، بهوية الإسلام السياسي الطاغية على طبيعة عملها السياسي، حيث قامتْ أميركا بتسليم مقاليد السلطة والحكم لذلك الجيل القديم من (المعارضة)، بعد أنْ قامتْ بإسقاط النظام الصدامي الديكتاتوري يوم 9/ 4 / 2003 إثر الغزو الأميركي 
للعراق.
والآن دخلتْ (معارضة جديدة) إلى مجلس النواب بوجوهها الشابة، فما الذي سيحدثُ تحت قبة البرلمان العراقي 
الجديد؟.