قلل مسؤولون في غرفة تجارة اسطنبول، وجمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين الأتراك (موصياد) من أهمية تأثر الاقتصاد التركي بالقرار الأميركي الأخير المتمثل بإلغاء مزايا تجارية كمركية كانت تقدمها الولايات المتحدة لتركيا على مدى عقود، في وقت تسري فيه مخاوف من فرض واشنطن عقوبات جديدة على أنقرة بسبب رفضها إلغاء صفقة شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية الصنع إس-400، وخلافات أخرى تتعلق بالملف السوري، وسط مواصلة تركيا العمل على ترسيخ وجودها الاقتصادي – التجاري في المناطق الواقعة تحت سيطرة قواتها والفصائل المسلحة المدعومة منها في الشمال السوري
تأثر الأسواق التركية
وقال إسرافيل كورالاي، نائب رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة اسطنبول، في حديث لـ”الصباح” على هامش مؤتمر صحفي نظمته جمعيتا موصياد وبيت الإعلاميين العرب في تركيا: إن “تركيا لن تتأثر كثيرا بقرار إلغاء برنامج نظام الأفضليات المعمم الأميركي، لأن البنية التحتية للاقتصاد التركي قوية جدا، وعلاقات تركيا قوية”، مضيفا أن “السوق الأميركية ليست الوحيدة في العالم، فهناك أسواق أوروبا وآسيا، ونحن نواصل شق طريقنا عبر أعمال جديدة”.
وذكر كورالاي أن “العلاقة بين أميركا وتركيا من الناحية الاقتصادية ليست بالحجم الذي نظنه، فاقتصادنا متصل أكثر مع أوروبا”.
واتهم الخبير التجاري الولايات المتحدة بأنها “تحاول توجيه الاقتصادات عبر تكوين ضغط سياسي على الدول، وتستخدم الدولار كسلاح”، معتقدا أن هذه السياسة “أمر خاطئ جدا”.
ونوه الخبير بأن “المفترض هو إن كل دولة حرة في تجارتها، ونحن كرجال أعمال أتراك نعتقد أن كل رجل أعمال تركي حر في إيداع أمواله والتصرف بها”. وبيّن أن “الولايات المتحدة تعاملنا بسوء، ولكن ليس لدينا النية لمعاملتها بالمثل، بل نريد تنمية تجارتنا والتعاون معها”، مستدركا، وهو يعبر عن أسفه، بأن “الآونة الأخيرة شهدت تحديد سياسات أميركية عبر تصريحات الرئيس دونالد ترامب فقط”، معقبا “وهذا يكون عاملا للتسبب بمشاكل بين الدولتين”، قبل أن يعود ويجدد تأكيد أن “توتر العلاقات التركية – الأميركية لن يؤثر كثيرا في الاقتصاد التركي”. وبعث ترامب، الأسبوع الماضي، رسالتين إلى الكونغرس والحكومة التركية تتضمن إشعارا بقرار مكتب ممثل التجارة الأميركي إنهاء استفادة تركيا من برنامج نظام الأفضليات المعمم الذي شملت به العام 1975.
وقال ترامب في رسالته للكونغرس: إن القرار سيدخل حيز التنفيذ بعد 60 يوما، وإن واشنطن “تبقى ملتزمة بتجارة عادلة ومتبادلة مع تركيا”. وعزا مكتب ممثل التجارة الأميركي القرار إلى أن تركيا “تطور اقتصادها بما يكفي”. وقالت روهصار بكجان، وزيرة التجارة التركية، في رد على القرار الأميركي: إن “برنامج نظام الأفضليات المعمم كان يشمل 19 بالمئة من صادراتنا للولايات المتحدة، وهذا يعني 1.7 مليار دولار، وبعد شطب اسم تركيا سندفع ما يقارب 63 مليون دولار ضريبة كمركية”.
حروب ترامب التجارية
وقال كريم آلتن تاش، نائب رئيس موصياد المسؤول عن العلاقات العامة والاتصالات، لـ”الصباح”: إن الرئيس الأميركي “عندما جاء بدأ الحروب التجارية، وحاول تغيير النظام الاقتصادي”. وتابع آلتن تاش أن “كل العالم لم يكن مستعدا لذلك، ونحن في تركيا مثل سائر الدول لم نكن مستعدين أيضا”.
ورأى المسؤول التجاري أن “العالم يعيش الآن نظاما اقتصاديا جرى تصميمه من جديد، ويؤثر كثيرا في تركيا”، مبديا اعتقاده، في الوقت نفسه، بأن “آثار هذا النظام ستزول، وأن اقتصادنا سيستعيد حيويته من جديد”.
ويعد القرار الأميركي الأخير ضد تركيا هو الثاني من نوعه بعد مضاعفة الرسوم على واردات الألومنيوم والصلب التركية، وفرض تركيا، بالمقابل، رسوما على سلع أميركية بقيمة 1.8 مليار دولار، منتصف العام الماضي، في إطار أزمة القس الأميركي إندرو برانسون، وفي أجواء أفقدت الليرة التركية قرابة ثلث قيمتها أمام الدولار.
ومن المستغرب أن القرار الأميركي يأتي بعد أيام على تجديد الرئيس التركي الحديث عن توافقه مع نظيره الأميركي على ضرورة رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 75 مليار دولار.
ويبدو القرار الأميركي سياسيا، وجزءا من ضغوط واشنطن على أنقرة جراء علاقاتها مع روسيا، وسياساتها في سوريا.
اقتصاد الشمال السوري
وتؤسس تركيا، إلى جانب وجودها العسكري في مناطق واسعة من الشمال السوري، بنية اقتصادية تجارية هناك. وقال إبراهيم أويار، مدير المكاتب الخارجية في موصياد، لـ”الصباح”: إن “جمعيتنا تواصل أعمالها في شمال سوريا منذ 6 أشهر”، موضحا أن أعمالنا “تظهر في المناطق المحررة من إرهابيي تنظيمات داعش، وحزب العمال الكردستاني (PKK)، ووحدات حماية الشعب الكردية (YPG)”. وفتحت جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين الأتراك مكتبا في مدينة اعزاز التابعة لمحافظة حلب السورية قبل 3 أشهر. وأفاد أويار أن «أهدافنا في الشمال السوري هي إيجاد الفرص التجارية، وتقوية المنطقة اقتصاديا، وتهيئة الخدمات الاقتصادية، والصحية، وخدمات البنى التحتية والطاقة، وفتح الطريق للداعمين الأتراك مثل جمعية موصياد، وتكوين بنية تساعدنا في توزيع المواد التجارية مثل الزيتون وزيته للعالم، إذ تضم إعزاز ثاني أكبر معصرة للزيتون في
سوريا».