سلامُ المتاحف

العراق 2022/01/16
...

أحمد عبد الحسين
أمس افتتح أوّلُ متحف للإعلام العراقيّ.
العراق، رائد أوّل بثّ تلفزيوني عربيّ تأخر مطوّلاً في حفظ وأرشفة تراثه الإعلاميّ أو ما بقي منه بعد أن كادت تفنيه الحروب وما يرافقها من نهب وسلب وتضييع مقصود وغير مقصود.
قد تكون المادة المتاحة لأنظار الجمهور قليلة، شرحت لنا الفنانة مينا الحلو كيف أنه سينمو وتزداد مقتنياته ومعروضاته شيئاً فشيئاً، لكنّ فيه سمة من سمات المتاحف الحقيقية: التسامح.
في المتاحف عموماً تسامح رحماني يجعلها المكان الأنسب لجمع الأضداد، ففي متحف للشمع مثلاً قد تجد تمثالين متجاورين لقائدين حارب أحدهما الآخر حتى الموت، وها هما يقفان يرمق أحدهما الآخر بصمتٍ وسلام.
سلامُ المتاحف هذا رأيته أمس في متحف الإعلام العراقيّ. صحفٌ من كلّ عهود العراق السياسيّة، مجلات من العهد الملكيّ وأخرى من عهد الجمهورية الأولى وأكثر منها تعود إلى عهد الديكتاتور. وثائق وصور ومعدّات تصوير وديكورات من أزمنة مختلفةٍ كانت شاهداً على ما وصل إليه الإعلام وقتها وعلى طريقة الأداء الإعلاميّ آنذاك، لكنها اليوم شواهد على أهمية حفظ وأرشفة وفهرسة ذاكرتنا بغضّ النظر عن الوعاء التاريخي والسياسيّ الذي أُنتجتْ فيه.
في الصحف المعروضة منذ عهد الثمانينيات رأيتُ أن القائمين على المتحف بذلوا جهداً "كبيراً ولا شكّ" في عدم إظهار أيّ ذكر أو صورة لطاغية العراق الأبرز صدام. وتمنيت لو أنهم لم يراعوا ذلك كثيراً، لأنّ قوة الجهد التوثيقيّ تكمن في إظهاره كما هو من دون انتقاء.
أخيراً صار لنا متحف لتاريخنا الإعلاميّ بإنجازاته الكبيرة وبإخفاقاته التي هي أولاً وأخيراً جزء من ذاكرة وطنٍ لا نريده أن يفقد الذاكرة.