احتلالات

الصفحة الاخيرة 2022/01/17
...

حسن العاني
سمعت مرة حديثاً اذاعياً يعود تاريخه الى ستينيات القرن الماضي، أن مفردة (الاستعمار) مشتقة من (الاعمار)، ولا يراد بها احتلال البلدان واستعباد شعوبها وسرقة ثرواتها، فما هي حقيقة هذا الاصل او الاشتقاق اللغوي على ارض الواقع؟ لا آتي بجديد اذا قلت : الى مئة سنة مضت تخلص العراق من الاستعمار او الاحتلال العثماني الذي دام قرابة (400) سنة، 
ولم يترك وراءه ما يشهد له بحسن السيرة والسلوك، او بحسنة واحدة تُذكر له، وكل ما خلفه لغته ومصطلحاتها ومفرداتها التي ما زال بعضها متداولاً، ولعل التاريخ الحديث ينقل لنا أعجب العجائب 
من تلك الحقبة المتخمة بالدراويش وهواة الدجل والخرافة، لأنه حين يتربع محتل – مثل العثمانيين – على عرش الجهل والتخلف والأمية، فأي اعمار يرتجى واية تركة اورثوها لنا يوم غادروا البلاد غير مأسوف عليهم، وأية مأساة حين يكون الذي احتل ارضنا عدواً للتقدم والنهوض 
والبناء؟.
ترى هل كان المستعمرون الجدد أفضل حالاً من أسلافهم كما يفترض؟ لأن البريطانيين يومها سادة الصناعة والزراعة والعلوم، وقبل ذلك هم دعاة الحرية ورافعو شعاراتها البراقة، الحق يقال : كان الانكليز أشد إيذاء على كرامة العراقيين وسيادتهم، بدليل أنهم رفعوا تمثال قائدهم الجنرال (ستانلي مود) وهو بالزي العسكري، ويمتطي حصاناً ويتخذ من مدخل (جسر مود) في جانب الكرخ مكاناً لوقفته المتغطرسة، وكأنه يستفز مشاعر الناس في طريق عبورها الجسر ذهاباً واياباً، ثم كان ما كان في 14 تموز 1958 اذ تولى الشعب تهشيم التمثال، وسحق أشلائه وغروره بأحذيته، وابدل اسم الجسر، فاذا هو منذ ذلك التاريخ 
(جسر الاحرار).. 
على أي حال لا يمكن الحديث عن أفضال تنسب لآخر الاحتلالات التي قادها الاميركان، ان لم يكن الأكثر بشاعة، فقد اقترن وجودهم في العراق بالقاعدة وداعش والطائفية والكواتم والخطف، ومسلسل جرائمهم بات من الوضوح بحيث يتحدث عنه بائع اللبلبي في محلتنا أفضل مما يتحدث عنها ثلاثة أرباع المحللين السياسيين، بدليل انني سمعته يتكلم مع جماعته بطلاقة، زاعماً بأن الاميركان برغم سيئاتهم كانوا أكثر ذكاء من سابقيهم الانكليز، وأبعد نظراً منهم في فهم الصراع المتوقع بين المحتل وبين الشعوب المحتلة، لأنهم 
رفضوا رفضاً قاطعاً اقامة تمثال لبول بريمر على غرار تمثال مود، على الرغم من الحاح عدد من كبار الساسة العراقيين!.