الأمن مقابل الفساد

العراق 2022/01/18
...

أحمد عبد الحسين
كلّ الدول التي يرتع فيها الفاسدون لا يمكن أن تكون آمنة.
وحدها الأزمنة المضطربة، أزمنة الخوف والرعب، هي ربيع الفاسدين ومواسم ازدهار أعمالهم. وقد رأينا بأعيننا كيف استحقّ العراق وبجدارةٍ فائقة جوائزَ أكثر دول العالم فساداً لسنوات متلاحقة، من دون منافسة كبيرة إلا من بعض الدول الهشّة التي هي ـ للمصادفة ـ يكثر فيها الاضطراب والإرهاب ويقلّ فيها عدد المسؤولين النزيهين.
لا يستطيع الفاسدُ أن يشتغل في بيئة آمنة. وإذا حدث أن استقرّت الأوضاع نسبياً وبدأ الناس يأمنون على أرواحهم وأموالهم فإنّ منظومة الفساد ستبادر إلى أن تصرف من مالها الخاص ومن جهدها لإرجاع الفوضى والفلتان من جديد.
الفاسد هجين مزيج من السياسيّ والتاجر والمقاتل ورجل المافيا، كائن أقرب إلى المسخ، فبرغم أنه يعبد المال لكنه ليس تاجراً، إذ التاجر رأسماله الحقيقيّ هو الاستقرار لا الفوضى، وليس سياسياً إذ السياسيّ يريد إشاعة الاطمئنان لإرضاء جمهوره وناخبيه، مخلوق فرانكشتايني متسلّط يمتلك أسباب القوّة، وأهم تلكم الأسباب قدرته على أن لا يكون على الأرض أمان وسلام.
التفجيرات التي حدثت أمس في بغداد، ومثلها سائر التفجيرات التي حدثت سابقاً وستحدث لاحقاً، هي نتاج غضب كائن الفساد هذا الذي يريد أن تكون له يدٌ طولى في الحكم ويدٌ أطول في الاقتصاد ويدٌ في استخدام السلاح وأيادٍ كثيرة في قهر المجتمع وإجباره على انتهاج "أخلاقياته".
وكلّما نعم الناس بفترة من الهدوء النسبيّ تململت مسوخ الفاسدين وضربوا ضربتهم ليحصدوا أرواح عراقيين ويرهبوا الأحياء وليثبتوا دعائم مملكتهم القائمة على الرعب والفوضى.
الإرهاب، سواء أكان اسمه داعش أم اتخذ له اسماً آخر، هو نتاجُ عقلِ سياسيٍّ فاسد.