برامجُ حكوميةٌ مطلوبة

آراء 2022/01/19
...

  نرمين المفتي 
في حوار مرئي على إحدى الفضائيات العراقية عن أوضاع أبنية المدارس واكتظاظ الطلاب في الصف الواحد وبأعدادٍ غير مقبولة ضمن مقاييس التربية والتعليم الرصينة، قبيل الجائحة.. وجه المحاور الى ضيفه التربوي سؤالا مفاده (وكيف كانت أبنية المدارس كافية للتلاميذ والطلبة وكانت الصفوف مريحة وليست مكتظة من قبل؟) وكان الجواب (مفحما)، 
 
اذ قال بأن عدد نفوس العراق تضاعف، اي، والشرح له، إن أبنية المدارس حينها واستنادا الى عدد السكان كانت كافية!. وأعتقد أو أجزم لو إن سؤالا يتم توجيهه الى المؤسسات المسؤولة عن الشوارع والزحام القاتل في ساعات الذروة، سيكون جوابه بأن عدد السيارات سابقا كان أقل والشوارع كانت تستطيع استيعابها. 
إنَّ جواب التربوي الذي سمعته وجواب المسؤول عن الطرق والجسور الذي اتوقعه، يكشفان عن واقعٍ مريرٍ من عدم الاهتمام واللامبالاة وعدم التفكير في المستقبل القريب، فكيف بالتخطيط لسنوات قادمة كما تفعل الدول. لأن ببساطة لو كان هناك تخطيطٌ ودراساتٌ وأبحاثٌ علميَّةٌ وفنيَّةٌ رصينة، لعرفت الجهات المختصة أنَّ عدد سكان العراق سيرتفع وبالنتيجة سيرتفع عدد الأطفال الذين سيتم تسجيلهم في المدارس، وبالنتيجة ايضا كانت الجهات التربوية المختصة وبالتعاون مع وزارة التخطيط ستحدد عدد المدارس المطلوبة ومواقعها. 
وعلى هذا المنوال، كانت الجهات المسؤولة عن الطرق عرفت بأن زيادة السكان تتطلب شوارعَ جديدةً وتوسيع الموجودة سواء، لوسائل النقل الخاصة او العامة ولقامت بالبحث عن حلولٍ مبكرة، مثلا إنْ لم يكن في المدينة مجالٌ لشوارع جديدة او توسيع الموجودة، فلا بدَّ من مجسراتٍ وفي مواقع ضرورية وليس كالمجسر الموجود قرب مدينة الشعب، والذي لا نعرف ماهو فائدته، اللهم الا اذا كانت الجهات التي قررت الموقع في حينها تعتبر التسبب بالزحام إنجازا، وكذلك مجسر منطقة العلاوي الذي أثقل كاهل النفق الموجود قرب المحطة العالمية، اي إنه لم يسهم سوى في الزحام مرة اخرى.. على اية حال، هذا ليس موضوعنا ونعود الى الزحامات الخانقة، وهناك نظرية تقول إنَّ من مميزات الدولة الجيدة ولن أقول الممتازة نظام الطرق، انسيابيته، جودة التبليط، الانارة ليلا، الاشارات المرورية ودلالات الطريق.. ولكانت هذه الجهات قد خططت لطرق خارجية جديدة وأسهمت في تقليل عدد الحوادث على الطرق الخارجية. 
اذ لا يمر إسبوع من دون ان نسمع بحادثٍ مفجعٍ وضحايا والذي يتابع صور الحوادث على مواقع التواصل الاجتماعي والمنشورات، التي تصف الطريق الذي شهد الحادث بطريق الموت، سيكتشف أن غالبية الطرق الخارجية أصبحت طرقا للموت.
الحديث عن عدم وجود تخطيط في كل مفاصل الخدمات والبنى التحتية وربما عدم التفكير به مؤلم وطويل. وقطعا للفساد يده الطولى بما جرى ويجري. 
واذ تستمر الاجتماعات والمفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة، سنشير الى المطلوب من هذه الحكومة، طبعا تقف مكافحة الفساد في المرتبة الاولى. لا بدَّ لهذه الحكومة أن تضع برنامجا واضحا للسيطرة على زيادة السكان، التي بدأت تصبح مشكلة واضحة وقبل أن تتفاقم وتتحول الى أزمة مستعصية. 
أن تضع برنامجا للإسكان بعيدا عن المشاريع الاستثمارية المرفهة، انما مشاريع بمقدور المواطن من ذوي الدخل المحدود او الكاسب أن يشتري وحدته السكنية ويتخلص من سكن الايجارات المرتفعة، طبعا بمساعدة القروض العقارية المسيرة. 
لا بد من برنامج واضح لمساعدة الخريجين من خلال قروض صغيرة ومتوسطة لمساعدتهم في البدء بمشاريعهم الخاصة، التي ستوفر لهم دخلا شهريا بعيدا عن المطالبة بالتعيين في الدوائر العامة، خاصة ان الرواتب الحالية تشكل نسبة كبيرة من الموازنة السنوية وهذه النسبة غير موجودة سوى في العراق. 
لا بد من إعادة النظر بسياسة الجامعات الأهلية التي تتكاثر وكأن البلد لا يحتاج للكوادر الوسطية من فنيين في جميع المجالات. لا بدَّ من إعادة النظر بخطط الدراسات العليا بزيادة نسبة الدراسات العلمية، خاصة في مجالات الحديثة وكذلك الادارية، اذ يبدو واضحا أنَّ الخلل الذي نواجهه في كل المفاصل أساسه الادارة غير الكفوءة. اما البنى التحتية، فتحتاج ايضا الى برامج تحسين وتطوير، اذ ليس معقولا والربع الاول من القرن الحادي والعشرين سينتهي، والبلد يفتقر الى نظام للمجاري يرتبط بالبيوت وليس مجار لمياه الامطار فقط. ولا بدَّ من برنامج لزيادة المساحات الخضراء لتقليل تأثير التغير المناخي، الذي يرتفع آثاره السيئة سنة بعد اخرى مع افتقار واضح لبرنامج حكومي للتعامل معه. 
قطعا ليس المطلوب من الحكومة الجديدة تنفيذ كل هذه البرامج، انما تخطيطها وربما يساعدها الوقت في البدء بها، هذه البرامج ستكون الخطوة الاولى التي ستبدأ منها الحكومات القادمة. ونسأله سبحانه أن يوفق من يضع العراق والعراقيين نصب عينيه.