التصنيمُ أو صناعةُ الصنم

آراء 2022/01/19
...

  علي المرهج
لا أخوض في التفريق بين {الصنمية} و{الوثنية}، فعلى ما بينهما من اختلاف من جهة ارتباط {الوثنية} بفكرة تعدد {الآلهة} وعلاقة {الصنمية} بفكرة التوحيد، التي قد يكون صنما معبودا ما يمثل الواسطة بين الجماعة التي تعبده والإله الواحد، فقد كان عرب الجاهلية مثلا يعبدون الإله (الصنم) {هبل} فعبدوه ليُقربهم من الله.
 
تحدث (فرنسيس بيكون) عما أسماه {أصنام المجتمع} أو (أوهام المجتمع)، وفي ما بعد تحدث نيتشة عن {أفول الأصنام}، وكان جلّ هم الفلاسفة هو تخليص الناس من قداسة الفكرة والمفكر، وتصنيم القائل وتبجيل القول.
كلما زاد الجهل وغابت المعرفة العقلانية حضرت عبادة الأصنام، وقد تكون هذه الأصنام من صنع أوهامنا، فنصنعها من معطيات الطبيعة كالحجر أو الخشب أو غيرها، ولكن بعض الجماعات قد تصنعه من فيض تقديسها لشخص ما، فتؤلهه، أو تجعله هو الواسطة بينها وبين الذات الإلهية، وهو ليس بنبي ولا وصي، ولم ينص عليه نص مقدس. 
ولو سألتهم ماذا تعرفون عن صنمكم هذا الذي تُقدسون؟!، فلا قدرة لهم على الجواب!، ويسكتون!.
من قبل عند عرب الجزيرة، كان هبل صنم قبيلة كنانة، وعبدته قريش، وكانت عبارة (لبيك اللهم لبيك) مخاطبة له، فهو أعظم أصنامهم، ولما هدد وجوده الإسلام صرخ أبو سفيان (اعلو هبل).
في زمننا اليوم غاب الإسلام وعلا صوت من يُقدسون هُبل، ولو سببت رب العزة والجلالة لما اعترض عليك أحد!، ولكنك لو تعرضت بكلمة لهبلهم أو صنمهم بكلمة لدونت تاريخ نهاية لحياتك في التو واللحظة.
إله العرب المصنوع من خشب أو ذهب أو فضة، وربما من التمر، هو إله يتحكمون في تفسير صلتهم به.
تحدث ابن الكلبي في كتابه (الأصنام) عن آلهة العرب وقريش، فكانت (اللات) ربتهم، والعزى أعظم الأصنام، لكن ما حصده (هُبل) من تقديس اقترن في ثقافتنا العربية بتقديس الأشخاص، ليكون بمثابة (الإله المصنوع)! الذي تخلقه الجماهير التي لا تستطيع العيش من دونه!.
أقول لكم إنَّ هُبلاً أو عبادة الصنم لا تُغادرنا، وكأن وجوده كامناً فينا، فشعوبنا اعتادت التذلل بالتقرب من الصنم وكهنة معبده، الذين يعرفون أسرار قداسته كما صوروا ذلك للناس.
أظن أن هُبلاً لا يُفارقنا!، فقد كان (هبل) أول الآلهة التي قدسها العرب، ويبدو أننا نُجيد استحضار تقديسه اليوم وغداً بصيغ مختلفة.
قد يكون لأغلب شعوب العالم القديم أوثانها أو أصنامها، ولكن المشكل الكبير يكمن في جعل فكرة التوحيد ورسالاتها رهينة القبول بشكل آخر للتصنيم، ألا وهو تمجيد رجالاته ليكونوا بمثابة أصنام لا يمكن لشخص ما المساس بقدسيتها، وكأن المساس بقدسيتهم يقترب من المساس بعقيدة التوحيد السماوية.
يتحول الصنم إلى وثن حينما تكون تضعف عبادة الواحد الأوحد لتكون رهينة بقداسة الصنم الذي صيّر نفسه على أنه يمثل (ظل الله في الأرض)، فكلُّ صنمٍ وثنٌ، وليس كلُّ وثنٍ صنماً.