صراع الديمقراطية وروح المواطنة

آراء 2022/01/21
...

 علي الخفاجي 
 
منذ ثمانية عشر عاماً والعراق يسعى الى رسم ديمقراطيته بأسلوب حداثوي يجعله في مصاف الدول التي تتمتع بشيء من الحرية والديمقراطية، فهو يعيش صراعاً كبيراً نتيجة التحول السريع من عصر الاستبداد والظلمة المعتمة الى عصر الديمقراطية والانفتاح، ووفقاً لطبيعة المجتمعات المتحولة حديثاً الى عصر الديمقراطية، فإن ايَّ انتقالة من نظام استبدادي شمولي الى نظام تعددي ديمقراطي، لا بدّ أن يمرُّ بمرحلة من اللا نظام ويدخل في مخاض عسير وتعثرات كبيرة، فالنظام العام والانتخابات الحقيقية تعدُّ من أهم محاور التجربة الديمقراطية على الرغم من الملاحظات الكثيرة والاعتراضات الواسعة، التي تشوب هذه التجربة الفتية، لكنها وبمجملها تعد تجربة ديمقراطية قلَّ نظيرها على الأقل في محيطنا العربي، الذي يتمتع بعض بلدانه بديمقراطية قديمة أو ناضجة حسب المفهوم الحديث. تجارب الدول التي سعت الى تطبيق الديمقراطية كمنهج لبناء دولها مرَّت كما مر به العراق خلال السنوات الماضية، كثير من العثرات والتقلبات والعراقيل الى أن وصلت الى مراحل متقدمة من الانفتاح نتيجة الممارسة الفعلية للديمقراطية وتطبيق جميع بنودها، معاهدة (وستفاليا) عام 1648م والتي عُدِّت من أهم المعاهدات التي وثقت السلم الأهلي بأبهى صوره، والتي بموجبها حولت الاقتتال والعنف في أوروبا الى صلح دائم، على الرغم من المصاعب والتحديات التي واجهت هذه المعاهدة، لكنها وبعد الاتفاق، تمًّ حلُّ جميع الأمور السياسية والاقتصادية وتمَّ على إثرها إنهاء جميع أشكال العنف السائد آنذاك بعد إن كان نظام الحكم الغربي نظاما إمبراطوريا يؤمن بالعنف والقتال كوسيلة لتحقيق أهدافه، وبناءً على هذا الاتفاق، حددت أوروبا مصيرها وغيرت نظامها من نظام همجي مبني على الاقتتال الى نظام ديمقراطي تعددي يؤمن بالحوار، فالمسؤولية لا بد من أن تتوافر في النظام السياسي، وأن تعمل الأنظمة المسؤولة على زرعها في البيئة المجتمعية، وأن تسعى الى رسم أسسها الصحيحة لبناء مفهوم مواطنة حديثة تعددية، وأن تعطي انطباعاً بأن الكل متساوٍ بالحقوق والواجبات، والقانون يسري على الكل من أعلى الهرم نزولاً، وان يتم تداول السلطة سلمياً وبشكلٍ حضاري، كل هذه الأمور تعزز لدى الناس روح المواطنة وبالتالي زيادة ايمانهم بالديمقراطية التي يشدون اليها. الديمقراطية الفتية التي نعيشها الآن لا بد لها وانطلاقاً من مبدأ التداول السلمي أن تؤمن بفكرة التقادم بالممارسات الديمقراطية، لأن المواطن بشكلٍ او بآخر ونتيجة لتطبعه بهذه المفردة «الديمقراطية»، أصبح ينحاز كثيراً لها ويسعى اليها، وكما على المؤسسات المعنية العمل على تنشأة جيل جديد للحفاظ على مكتسبات هذه التجربة، التي ووفقاً لهذا المبدأ تحتاج الى ديمومة لكي لا تتعثر وبالتالي يصاب المواطن بحالة من الجزع، تجعله ينفر من هذه التجربة التي طالما انتضرها وقدَّم الكثير للوصول اليها.