أحمد عبد الحسين
أتاحتْ مواقع التواصل للبشر في كل أرجاء الأرض أن يكونوا مراسلين صحفيين. فلم يعد نقل الحدث من مصدره، حيّاً مباشراً، مهمة مراسل معتمد من قبل وسيلته الإعلامية وحسب، أصبح كلّ من لديه هاتفٌ ذكيّ مراسلاً متى ما قرّر ذلك.
أمس ضجّ الفيسبوك العراقيّ، وشايعته في ذلك صفحات عربيّة كثيرة، بفيديو صورتْ فيه امرأةٌ زوجها وهو يعذّب ابنهما ذا السنوات الخمس. هذه السيّدة الشجاعة أعيتها الحيلةُ مع زوجٍ ساديّ فقررتْ أن توثّق وحشيته خلسةً وتظهرها على الملأ. لو لا ذلك مَنْ كان ليصدقها؟ ستتهم بالمبالغة والكذب، وستدور الدائرة عليها إذا اشتكتْ من دون أن يكون في يدها دليل ملموس على ما يفعله الأبُ بها وبابنه. وهذا عمل صحفيّ متقن وشجاع.
لم أستطع إكمال الفيديو الذي يوجع القلب، لكني تابعتُ ردود الفعل في صفحات المدونين وكلها كانت غاضبة. غير أن الغضبَ والحماس في طلب معاقبة الجاني ليسا كافيين، وهذه الهبّة الفيسبوكية سرعان ما ستخفت، سيغطّي عليها حدث آخر وآخر إلى أنْ تظهر سيّدة شجاعة أخرى وتوثّق عنفاً أسرياً أصبح شائعاً ومسكوتاً عنه ولا يتذكره أحد إلا إذا أتى على هيئة فضيحة ثقيلة كالتي حملها لنا هذا الفيديو الصادم.
تشريع قوانين تحدّ من العنف الأسريّ أصبح ضرورة ملحّة، ولا ينبغي الاكتفاء بمحاكمة الآباء الساديين وفقاً للمادة 413 من قانون العقوبات، التي تتساوى فيها المشاجرة في الشارع مع تعذيب طفلٍ من قبل أبيه الذي هو مصدر أمانه!
هذا إنذار لنا: إنّ العنف الأسريّ يُتعاطى معه بتلقائية، وهناك آلاف النساء لا يستطعن توثيق جرائم أزواجهنّ أو آبائهنّ أو إخوانهنّ. واجب الدولة أن تتداركهنّ قبل ظهور فيديو آخر لأمرأة باسلة قررت أن تصبح مراسلة صحفية في بيتها حيث لا يمكن للصحافة أن تصل.