التجربة الديمقراطيَّة في العراق: الهدف والغاية

آراء 2022/01/23
...

 محمد الخاقاني
 
منذ نيسان 2003 ولغاية الوقت الحالي، مدة زمنية سارت بها الدولة العراقية من اجل تحقيق هدف الديمقراطية، وهي مدة قد تبدو من الناحية الزمنية طويلة نوعاً ما، ولكنها وبالقياس للتجارب السابقة التي مرت بها الدول الديمقراطية تكاد لا تذكر، نتيجة تجذر الممارسة الديمقراطية وتقاليدها فيها وهو ما يجعلها تبدو قصيرة جداً وتحتاج الى مدد زمنية اخرى، لنكون امام تجربة ديمقراطية نفخر بها ونجعلها أنموذجاً يحتذى بها.
وعلى الرغم من ذلك، فإن التجربة الديمقراطية العراقية إذا ما قُورنت بمثيلاتها في الدول القريبة، فهي متقدمة عليها بدرجات، ويمكن ملاحظة ذلك عبر تداول السلطة سلمياً وهي من مميزات الديمقراطية وهو ما يعطي تنافساً إيجابياَ بين مختلف القوى والأحزاب السياسية في البلد، وهو سر استمرارية وديناميكية العملية السياسية، وما تمخض عن انتخابات تشرين الأول 2021 دليل على ما نقول بشأن التداول السلمي للسلطة، فنحن امام استحقاقات انتخابية افرزتها صناديق الاقتراع ومن ثم نجد متغيرات تمثلت بفوز أحزاب وقوى سياسية وتريد تنفيذ مشروعها السياسي عند وصولها للسلطة، وهو ما تمثل بحكم الأغلبية الوطنية ليكون بديلاً عن التوافق والمحاصصة في توزيع المناصب، وهو ما يعني بتفعيل المعارضة الفاعلة لبعض القوى، التي لا ترغب بالانضمام لمحور السلطة، فسابقاً الكل مشارك في العملية السياسية ولا وجود للتعارض والتقاطع داخل اروقة مجلس النواب، وهذا ما دأبت عليه القوى السياسية منذ اول انتخابات جرت في العراق بعد التغيير في 2005، فالتوافق كان أساس تقاسم المغانم والمناصب وهو ما يعكس المشاركة الجماعية للجميع في السلطة في ظل غياب فاعل للمعارضة الحقيقية داخل مجلس النواب، فالكل مشارك على الرغم من كونه فائزا او خاسرا في الانتخابات، وبدوره ينعكس سلبياً على أداء المجلس وقيامه بواجباته الاساسية، بل تؤثر حتى في عملية إصدار القوانين والتشريعات الضرورية والتي تحقق الفائدة لعموم المواطنين.
ويمكن القول بأن نظام تقاسم المنافع والمغانم وفقاً للمحاصصة التوافقية يعطل الدور المأمول من قبل مجلس النواب وهو ما يعني تعطيل المعارضة الفاعلة وهو ما يسمح بتحجيم الدور الرقابي، فعدم وجود مصلحة ثابتة وجامعة لكل الفئات المكونة للشعب العراقي تعد من أهم مسببات سياسة التقاسم للمنافع والمغانم، وهي تعد مدخلاً اساسياً للقضاء على تلك الظاهرة ومن أجل الخروج من هذا المأزق، يجب تفعيل الدور الحقيقي لمجلس النواب وتفعيل آليات الرقابة والتشريع والمحاسبة من خلال مراقبة الأداء والتقويم لعمل المؤسسات كافة، وتحديد المصالح الوطنية العليا والتي تكون الأساس الجامع لكل الشعب.
فإذا ما اريد للبلد ان ينهض بمشروعه السياسي المنفذ من قبل القوى والأحزاب السياسية والتي تصل للسلطة عبر آلية الإنتخابات، فإن أولى الخطوات في ذلك تكمن في ترك مبدأ التحاصص والتقاسم في إدارة المؤسسات الحكومية، وأن تكون الكفاءة أساس إسنادها الى الأشخاص الذين تتوافر فيهم المواصفات المطلوبة في تولي المناصب وهو ما يمكن الحكومة المرتقبة من انتهاج سياسات واقعية تصب في خدمة الصالح العام.