وحدةُ القرار الشيعي تمارين في ديمقراطيَّة الجماعات!

آراء 2022/01/23
...

 ابراهيم العبادي
نتيجتان سيئتان تتركهما عقود الاستبداد في بنية الاجتماع السياسي المتعدد، الاولى تفتت الهوية الوطنية وتفككها، والثانية تنامي الصراع داخل المكونات والجماعات للظفر بالهيمنة والسيطرة على تمثيل الجماعة واحتكار قرارها في مقابل الجماعات الأخرى.
 
أسابيع طويلة مترعة بالاحتكاكات والخطابات المتشنجة الممتزجة بمفاوضات واجتماعات متواصلة، لم تحسم موقف الجناحين الشيعيين الرئيسين ازاء موضوع الكتلة الاكبر أو القبول بالتوزع ما بين معارضة وموالاة.
ما يجري من مفاوضات ومماحكات صعبة مصحوبة بوساطات تعكس أزمة الثقة العميقة والمخاوف المتبادلة واستقطاب الأحزاب والكتل الشيعية الى تيارين يتباريان في إثبات صحة مدعياتهما وشعاراتهما، فريق يرى أن الأغلبية الوطنية افضل من حكومات التوافق التي غابت عنها المعارضة المسؤولة، حكومة الاغلبية تجمع قوى متفقة على أولويات وطنية، بينما يكون للمعارضة موقف المراقب المدقق الذي يكشف التجاوزات والمفاسد والمحاصصات والاتفاقات البينية، التي افسدت الانجاز الحكومي وهدرت الأموال والجهود وأضاعت فرصا عظيمة وسنوات ثمينة كان يمكنها أن تحصّن الدولة من مزالق ومخاطر كثيرة، ما زالت تهدد حاضر العراق ومستقبله، ظاهر هذا السرد واقعي (مشروط بصدق النوايا ) وينمُّ عن محاولة لنقل التجربة السياسية الى مرحلة الخروج من نفق التوافق والمشاركة الجماعية، التي تضع فيها القوى السياسية قدمين قدم في مغانم السلطة وقدم في نقدها، لمغازلة الجمهور المحبط، في مقابل هذه السردية تقف سردية موازية تدعي أن مشروع الاغلبية الوطنية يخفي هدف استبعاد قوى شيعية واقصاء اخرى، واختزال المشهد السياسي الشيعي ومصلحة المكون بشعارات فضفاضة لا يمكن تحققها، الى القفز على واقع متخم بالتعدد والانغلاق المكوناتي، وغياب الأحزاب الوطنية العابرة، وبالتالي فإن هذا المشروع عبث داخلي وتضحية بمصالح المكون واضعاف لوحدة بيته، في وقت لم تزل الخريطة السياسية تكشف عن تضاريس وديموغرافيا بدائية تمثل مصالح فئات ومذاهب وقوميات، وليس اتجاهات سياسية عابرة للمكونات.
وحتى يكتمل السرد السياسي المتخم بالشكوك، فان كل فريق يعرض بالفريق الآخر ويحمّله مسؤولية الانقسام والاستقواء بقوى محلية وخارجية، ليعود التأويل والتفسير يتحرك من منظورات عدائية انقسامية تخوينية.
بلوغ الصراع الداخلي هذا المستوى من العداء، يعيد الى الاذهان عدم قدرة كل مكون على القبول بالتعددية السياسية داخله، وعجز الزعامات عن ادارة الاختلاف والتعارض في تقدير المصالح لحد التهديد واستخدام العنف الرمزي والعملي لإخافة الاخر والضغط عليه. 
اذا بقيت الأمور تدور في هذا النطاق، فإن احتمالات انفلات الوضع ليست مستبعدة، ما يعني أن التلويح بالقوة سيكون أحد أدوات حسم الصراع ودفع طرف او بعض اجزائه دفعا الى الانزواء والقبول بالخروج من معادلة الحكم.
ولأن التواجد في السلطة صار عنوانا للقوة والجماهيرية فان كل طرف سيقاتل من اجل الابقاء على حصته، وستتحول النزاعات داخل المكون الواحد الى مشكلة وطنية، مع أنها في واقعها غير ذلك، بل هي مشكلات ما قبل الدولة وما قبل الاجتماع السياسي الحديث، إن هذا النوع من المشكلات لا يتوقع أن تحسم الا ضمن سياق طويل من الممارسة السياسية العلنية، ذات الجوهر الفكري والسياسي والتنظيمي الواضح والشفاف، أما في ظل هيمنة البيوتات والزعامات والفصائل التي تدمج الديني بالسياسي والمقدس بالمدنس، وتخاطب الجمهور بغرائزه الدينية ومشاعره التعصبية، فلا أمل بحلٍ عقلاني لهذه الصراعات، لأن الوعي الجماعاتي هو الغالب على السلوك السياسي ولا حضور كبيراً لمفهوم الوطن والدولة ومصالح الوطن 
والأمة.