د. حامد رحيم
الادخار واحد من المتغيرات المهمة جدا في الاقتصاد، فهو أحد أهم المصادر الممولة للاستثمارات في النشاط الاقتصادي القائم، أما على صعيد المفهوم، فالادخار هو (الامتناع المؤقت عن انفاق جزء من الدخل المتاح)، وهذا المفهوم الشائع في المصادر العلمية يحوي بين جنبيه اشكالية تتمثل بالتداخل مع مفهوم (الاكتناز)، وهو سلوك اقتصادي غير مرغوب به، ومن ثم وجوب التفريق بينهما، فالاكتناز ميزته هو تجميد الموارد المالية من دون أي مردود، ومن ثم منع النشاط الاقتصادي من الانتفاع من تلك الموارد المالية في تنشيط حركة
السوق.
أما الادخار فهو سلوك اقتصادي مرغوب به ومعالج في النظرية الاقتصادية، ويعد أحد خيارات المحفظة الاستثمارية كونه يحقق عائدا على الموارد المالية المدخرة، وصورة تلك العوائد هو سعر الفائدة على الودائع المصرفية بالآجال المختلفة، وسعر الفائدة يمثل المتغير المستقل المرتبط بعلاقة طردية مع حجم الادخارات اضافة لحجم الدخل، بالمقابل فإن النشاط الاقتصادي سيتلقى تلك الودائع كونها موارد مالية قابلة للتحول الى أصول أخرى تحفز العرض الكلي الحقيقي والطلب الاستثماري أيضا، وهنا مكمن دور
(السياسة الائتمانية).
وفي النهاية لا بد من -فضلا عن المفهوم المشار اليه- تمييز الادخار عن الاكتناز، ويمكن صياغة مفهوم الادخار على انه (هو أحد خيارات المحفظة الاستثمارية يتمثل بالامتناع المؤقت عن انفاق جزء من الدخل المتاح لتحقيق عائد).
وفي الحديث عن الاقتصاد العراقي المختل هيكليا، فإن القصة لها أبعاد وإشكالات مركبة، فالتحسنات الحاصلة في الدخل بعد عام 2003 لم يكن لها اثر تنموي على الواقع ولم تقدم لنا صورة صحيحة للمتغيرات الاقتصادية، ولعل الادخار واحد من تلك المحاور، إذ إن الكتلة النقدية التي يصدرها البنك المركزي والتي تنامت بشكل كبير نتيجة لتحسنات الدخل من المفترض ان يكون جزء مهم منها يتحول الى ادخارات عبر انتهاج سياسات محفزة له.
لكن المؤشرات تقول غير ذلك، فلم تتجاوز معدل نسبة ما يحتفظ به القطاع المصرفي من العملة التي صدرها البنك المركزي 12 %، بمعنى أن ما يحتفظ به الجمهور (نقد بالتداول) بحدود 88 % معدل مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الاستثمارات ضعيفة جدا، وهذا ما تظهره خارطة الناتج المحلي الاجمالي فلم تتجاوز مساهمة القطاع الصناعي معدل نسبة 2 % والتشييد والبناء 5 %، أما القطاع السياحي فمساهمته ضعيفة جدا حتى لم يفرد لها حقل في الخارطة، وهذا يعني ان النقد بالتداول وزع بين الانفاق الاستهلاكي والاكتناز.
النتيجة أن النسبة الأكبر من التحسنات في الدخل ذهبت نحو الاكتناز وليس الادخار، مع الاشارة الى ان العلاقة بين الادخار وسعر الفائدة علاقة غير مرنة رغم الارتفاعات بين الحين والاخر في سعر الفائدة على الودائع المصرفية لكن دون اثر معتد به بالمقابل (الزيادات المتتالية) في الدخل معظمها توجهت الى (الميل الحدي للاستهلاك) وليس (الميل الحدي للادخار)، مما أظهر لنا النشاط الاقتصادي بحلته الحالية استثمارات ضعيفة وزيادة كبيرة في الاستيرادات
الاستهلاكية.
إن تغيير هذه المعادلة مرتبط بثقة الجمهور بالمؤسسات المصرفية وبالنشاط الاقتصادي العام، وهذا بحاجة الى توجه تنموي فعلي يتلمسه الجمهور لصناعة تفاعل بينهم وبين المؤسسات
المصرفية.